22 ديسمبر، 2024 10:17 م

يحبون من هاجر اليهم ضيق العين والصدر من السوريين

يحبون من هاجر اليهم ضيق العين والصدر من السوريين

كل بلد مهما استقر وتنعم وترفه لابد تدور عليه الايام في حقبة من تاريخه وتناله صروف الدهر فيخبو او ينحدر ويهاجر اهله او ينزحون ،هذه سنة كونية ارادها الله ودعمتها الطبيعة والسياسة وطمع الانسان وطموح المحاربين ،
فالبلدان ليست كالانسان -عمره قصير واحتمالية عيشه المرفه الدائم ممكنة- بل انه رغم هذا لايخلو على مر سني عمره من حزن او مصائب او قهر او كدر ولو من الاقدار ، ولكن البلدان على نحو الاطلاق لاتستقر على حال الرفاهية والسلام والتغني بالمرابع طول الدهر ، فإن لم يصبها العوز والقحط والحرب والسيل والريح ومن ثم الهجرة والنزوح في هذا الجيل سيصيبها في جيل يليه او أصابها في جيل سبق من أجيالها ، وهذا وقع لبلدان الاسلام المرفهة وللرومان ولبريطانيا يوما ولسويسرا ولليابان و امريكا ،
الكل هُجّر و نزح وقتّل ونهب وبغى عليه جاره او قومه او غزو اجنبي ،لم يسلم احد من ذلك ولن يسلم ، الا اللهم على مقدار عمر انسان واحد او عمرين ، ثم تأتي الانتكاسات والنزول.
ويبقى الفرق بين شعوب المهجر ودوله عندما تدور بشعوب النزوح الدوائر ، فمنهم من يعلم ان الارزاق ارزاق الله ويفهم الحياة وبقائها القصير وان لا يمكن ان تاخذ منها اكثر مما تعطيك (ان كنت مؤمنا او منكرا) على حد سواء ، واصحاب هذا الفهم يؤون من ينزح اليهم على انهم بشر مثلهم وان الله خلق الارض للجميع ولايمكن لك ان تمنعني ان اختار من ارض الله ما ازوره او اسكن فيه ، فالحياة مرة واحدة ، ولن يكون لدي عمر آخر لأعيش به في الصين ان كنت عربيا او اسكن فيه الجزيرة ان كنتُ صينيا، فان تدبرت امر لغة العيش والتخاطب وأعلت نفسي و أهلي من كدي وعملي فلا شيء لك علي،
ولذا وضع قانون جنيف لحماية الانتقال وحق العيش والسفر ووضعت له الضوابط ، ومنها صار منح الجنسيات الاخرى بشرط العيش المستمر لخمس سنوات او ثماني في اعلى المتطلبات،
وقبل جنيف والامم المتحدة كان هذا قانون الله “ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها”،
واهل المدينة الى الان يؤوون المهاجرين من قبل 1000 سنة والعراق الى اليوم يؤوي الصحابة الذين فتحوه او اختاروه سكنا واحفادهم وهم اليوم عراقيون لانفرق بين انسابهم بل لانعرفها اصلا ، فهذا زبيري من الزبير (مدينة في البصرة) و ذاك من “القادسية” محافظة ، ومصر الى الان من الف سنة يتخذ منها العرب المهاجرون من الجزيرة مسكنا وهم اهل صعيد البلد اليوم بل صارت لغة المهاجرين لغة دولتهم ، وهذا الاصل في الاشياء ولا غرابة فالهجرة امر سنني والبلدان تتلاقح ، وفي ارض الشام حصل ذلك وفي اسطنبول التركية أحياء عربية من الف سنة “أيوب” وغيره ، بل ومدن باكملها وهم اليوم اتراك لايعرفون من العربية الا القليل ، و أمريكا بلد مهاجرين واسبانيا بلد نازحين وامريكا الجنوبية خليط من اعراق، وهكذا في كل أرض و زمان.
من اين برايك كان الاردنيون الشراكسة او الاتراك القبارصة او صقلية الايطالية او الحي الصيني في امريكا او شارع الترك في مصر او او ،
ولكن عندما نزح السوريون بعد ان تآمر عليهم ابناء عمومتهم والعالم ، وانتشروا في الارض هربا من الموت والخراب ومن اجل النجاة بالطفل والاهل ، وهذه غريزة الانسان فليس كل الرجال يحاربون ولا كل النساء يصبرن على شظف العيش والخوف أو الاهانة ، عندما نزحوا تغيرت-سبحان الله- موازين العالم واخلاقه واعرافه و فهم اوامر الله ، فلا اتفاقيات اقرت فتحث الاجنبي ولا اخوة عربية تلزم العربي ولا دين يمنع المسلم من خذلان اخيه ،
فاغرب مافي الازمة السورية انها كشفت الشعوب وليس فقط الحكام ،من جاع قال جوعني السوريون رغم انه من 100 سنة جائع ومسحوق ومافعل له السوريون الا انهم أروه لقمة نظيفة وطعاما وخيرا صنعوه بايديهم من خيرات بلاده نفسها التي كان لايعلم كيف يصنع منها غذاء آدميا له ولعياله ، فاندهش وادرك انه فعلا كان جائعا مسحوقا “ولكن من يديه وعقله وقلة جهده” ، ومن فشل قال افشلني السوريون ، وهو في الحقيقة فاشل من 50 عاما ومافعل له السوريون الا انهم بنجاحهم وبراعتهم في بلاده ادرك كم هو فاشل ، و من فسد عياله قال افسدهم السوريون ، وهو في الحقيقة ابو الفساد واصله ، عندما كان السوريون من أعف الشعوب واكثرها التزاما وحشمة ، وما فعل له السوريون الا انهم مثلوا على ارضه نموذج رجال برجولة حقة وبجهد وعمل وعقل ففتنوا بهم اذ قارنوهم بالعاطلين الذين من ابناء وطنهم فمالوا الى النموذج الافضل بالفطرة والى النساء الاصلح بالفطرة ايضا، ، وكشفت عورات اهل تلك البلاد.
ومن خسر معركته قال انما اخسرني السوريون ، رغم انه لم يسجل له التاريخ انه انتصر في اية معركة في حياته ، و ما كان من السوريين الا ان أروه نموذج الشجاعة والانتصار فانكشف امام نفسه وشعبه وجيشه ، ومن تراجع علميا قال انما فعلها السوريون ، وهو في الاصل لاعلم عنده الا انه لم يكن ينافسه احد وكل مافعله السوريون انهم تفوقوا عليه وبزوه في العلم فانكشف قصوره ، و من خسر وظيفته او لم يجدها قال بسبب السوريين ، ومافعل السوريون الا ان اروا صاحب المال او المعمل انهم اكثر براعة واكثر اخلاصا واكثر جهدا بالاجر نفسه فاختار الصناعي او التاجر مايخدمه اقتصاديا بقانون الانتخاب الطبيعي ، فبكى الفاشلون وتحسر المخادعون وازيح المتسيبون ،
فانكشفت شعوب العالم “الراقي” بالعرقية ضد السوريين ،وانكشفت شعوب العالم “الاسلامي” بالعنصرية ضد السوريين ، وانكشفت شعوب “العرب” بالمناطقية والقطرية الضيقة ضد السوريين ،و نسوا ان الله تعالى امتدح الانصار بقوله :
﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾