لا يعتبر مبالغة مني عندما اقول ان منهج التسييس هو الاخطر على العراق وشعبه, وهو منهج قائم وفاعل منذ عام 1968 ومن دون توقف, وكان حامل راية التسييس حزب البعث الكافر ورجاله المنحرفون, ثم تلقف الراية من بعده كل من يسعى لبناء دكتاتورية تستمد قوتها عبر منهج التسييس, وتحققت نتائج مدمرة ومخيفة, وقد يكون القادم خطير جدا ولا يمكن تصور حجم جحيمه.
نحن نتابع باستغراب ان يدعو الساسة لوقف تسييس المناصب الحكومية, ومنع استمرار المحاصصة السياسية للمواقع الحكومية المهمة, وفي نفس الوقت نجد استمرار لنهج المحاصصة والتسييس من خلالهم هم, فهل تصدق حتى مناصب مكافحة الفساد الاداري تسيس وتوزع حسب الحصص التوافقية بين الكينات السياسية الكبيرة! احيانا لا اتصور مكانا على الارض اكثر فسادا مما يجري في هذا البلد!
العملية السياسية في ظل منهج التسييس تؤدي حتما الى تغييب الشفافية, والوقوع في مستنقع ازدواجية المواقف.
فما نلاحظه اليوم بين الاضداد السياسيين هو تضخم اجواء الارتياب المتبادل, والتخندق والتعصب الطائفي والحزبي, وانتشار ظاهرة الانتقائية والتأويل, والسعي الدائم الى التصريحات المراوغة والغائمة! والتي تكون حمالة اوجه, فتخيل معي اي ثقة يمكن ان تزرع في هكذا صحراء من الشك والعداء, الكل يتربص بالكل, بحثا عن سقطة للاخر, مع منهج نشر الاكاذيب في حرب اعلامية تسقيطية, مهمتها وضع حواجز تمنع اي تقارب بين الجهات المتنافسة.
· تسييس المناسبات الدينية
تعمل “الكثير من” الجهات السياسية على استغلال المناسبات الدينية في تنظيم اتباعها, وتكريس تقديس رموزها, فتكون المناسبة فرصة لزيادة ارتباط الجمهور بتلك الرموز الحزبية, والسعي الحثيث عبر المناسبة الدينية في ربط مواقفهم بالمناسبة! باعتبارهم هم اصل الحق والممثل الوحيد للبطولة والتدين والوطنية والنزاهة, وتختلط معها جهود الجمهور الساذج, الذي يصبح عمله الديني مختلط بالتسييس السياسي, الذي يمارسه الحزب الذي يتبعه! فيضيع عليه اجر العمل بالاضافة لمشاركته في دعم الفساد.
فالتسييس السياسي دخل للمناسبات الدينية كالسرطان, للتضخم رموز الاحزاب وتصبح هي صاحبة المناسبة! في تحول عجيب وغريب! لينذر بخطر تبدل العقائد الدينية عند الجمهور الغارق بالجهل, ليصبح التسييس خطر كبير مقابل العقيدة الثابتة.
· حتى كرة القدم مسييسة
ما ان دخل سرطان التسييس الى عالم كرة القدم حتى احال كل شيء الى خراب, فاصبحت تشكيلة المنتخب الوطني تخضع لحصص الاحزاب ومزاج حيتان السياسة, وحتى المدربين لا يمكن تسميتهم الا بحصول رضا منهج التسييس, وهكذا خسرنا الكفاءات والمستحقين بسبب منهج التسييس, واستفحل الامر جدا في اخر 4 سنوات, لتغرق سفينة كرة القدم العراقية على جميع الاصعدة, ويصبح الفشل ملازم لجميع منتخباتنا الوطنية.
وعندما ننظر لواقع الكرة العراقية الحالي نتيقن ان مسألة التصحيح والاصلاح مستحيلة, لان القيادات الرياضية جاءت عبر منهج التسييس, وبعضها جاهل او منحرف او لص, فلولا الحصص والتوافق والولاءات لما تم لهم الامر0
· علة التسييس
عندما نبحث عن اسباب ظاهرة تسييس كل شيء في العراق, نجده بسبب غياب تقاليد ثقافة الديمقراطية في مجتمعنا, وبسبب فساد المنظومة السياسية, حيث يشتد الصرع السياسي بين الاحزاب في سبيل الحصول عل الامتيازات والمناصب وتحقيق رضا الكبار, بل واصبحت المناصب المرفهة كالسفارات والخارجية ومدراء الجمارك ورئاسة الاندية والنزاهة والمفوضية كلها لا تتم الا بمباركة الاحزاب وجلب صك القبول بالمنصب, فلا تعطى لمن يستحق بل حكرا على اولاد وبنات الاحزاب.
حتى قال قائلا: مجرد فتح محل لبيع الفلافل يحتاج للتسييس! والا تم اغلاقه بقرار حزبي مسيس.
وقد اصبحت فئة متحزبة مستفيدة متنعمة بالأموال, وفئات اخرى محرومة من كل شيء, بسبب هذا المنهج اللعين في ادارة الدولة, والي حتما كرس الظلم والجهل كي يستمر في تسلط وتفتيت ثروات البلد, وجعلها حكرا عليهم فقط.
· تسييس الثقافة
تم العمل على هذا الشق الخطير عبر تسييس الثقافة كما كان يفعلها حزب صدام, فيقرب الشعراء والكتاب والرسامين, فيكون الجهد الاكبر في خلق اسطورة وهي صدام, فتكون القصائد في شجاعته وبسالته وتفرده, وتكون الروايات عن بطولة جنوده وعن حقانية قضية صدام, وتكون اللوحات عن صدام رمز الحزب والثورة والنزاهة والتدين والعبقرية الخارقة, ومع الاسف نجد الكثير من الساسة بعد 2003 قد ساروا بنفس خطوات صدام, عبر تسخير الثقافة والابداع مقابل المال, مع توفير تسهيلات كبير لكل من ينخرط في مهمة خدمة الحزب ومنهج التسييس.
وهذا موقف خطير جدا, حيث ستنشأ اجيال غارقة في هذه الثقافة المسطحة, والتي لن تنتج وعي بقدر انتاجها عبيد يخدمون منهج التسييس.
ولاحقا ستنتج هذه الثقافة حريقا اجتماعيا هائلا, لأنها بالتأكيد لا تمثل الحقيقة وليست مقبولة من الاغلبية, كما سقطت ثقافة صدام امام المجتمع العراقي, وبقيت عالقة فقط في عبيد صدام.
· اخيرا
نظرة بسيطة لبيانات الاحزاب والقوى المؤثرة والرؤوس السياسية الكبيرة نجدها تصرخ ضد المحاصصة السياسية, وتذم وتلعن كل من يدعم التوافق السياسي المبني على اساس تقاسم المغانم! مع ذلك وفي نفس الوقت تلك الشعارات الرنانة والبيانات العظيمة, نجد استمرار بشع لكل اسس الفساد ومنها المحاصصة ومنهج التسييس من قبل نفس اهل البيانات والشعارات! وهذا يعني سيستمر انتشار الجهل والتخلف وتغييب العقل, ويستمر الفساد واللصوص بنهب البلد, ويستمر الصراعات الاجتماعية التي زرعت بذرتها الاحزاب ونهجها في تسييس كل شيء في البلاد, وسيبقى الملايين يعانون في حياة اشبه شيء بالموت, والمخاطر القادمة التي ستواجه البلد ستكون اشد واخطر.