22 ديسمبر، 2024 9:40 م

يتعطّس كورونا ويداوي بنقيع التميمة !

يتعطّس كورونا ويداوي بنقيع التميمة !

أصبح للموت إسماً جديداً – كورونا ( كوفيد – 19 ).
في حمأة انشغال العالم بجائحة كورونا وتسابق مراكز البحث في سبر أسرار هذا القاتل الجديد و (تفليسه ) وحل شفرة الدي ان أي وفركشة كروموسوماته, ونتف كلابات شُعيراته…. ومنذ أن اكتسح فيروس كورونا الدول والصدور, ومؤسسات البحث العلمي تُصارع الزمن, وتتسابق فيما بينها لأكتشاف لقاح واقٍ منه وعلاج دائمٍ له, زاجّة بكل تخصصاتها ومعارفها الرفيعة في المجالات الطبية والصحية والصيدلانية والهندسة الالكترونية وعلوم إدارة الأزمات… لتقديم ثمرة جهودها وعصارة عقول علمائها لخدمة البشرية.

ومنذ أن فرض فيه هذا الفيروس سلطانه المطلق على شعوب وأقوام واثنيات بالغة التنوع قاطنة كامل الجغرافية العالم واكتساح ابعد زواياها نأياً, الأسكيموشية منها وحتى مجاهل الغابات الأمازونية, وتمدد حتى سافانا أفريقيا وضفاف بحيرة تنجانيقا وتندرا سيبيريا, متسلقاً جبال الألب كما قمم الهملايا وجبال ابلاشيان وروكي, مروراً بمفازات الأنديز ورأس الرجاء الصالح وبلاد زهر الكرز, ولم يعفي الأزقة القرطبية ولا خيابان طالقاني.. اقتحم قصور فرساي وكواليس” الطاحونة الحمراء ” وعبر سور الصين العظيم وبوابات الكرملين المنيعة وحراسات البيت الأبيض الالكترونية, متسلقاً شرفة بابا الفاتيكان ومقتحماً باحة معبد السيخ الذهبي ( هارمندير صاحب ) وساحة طواف كعبة مكة ودوالين النجف… ببساطة طال الجميع, ولم يعوض أحداً مهما علا قدره وارتفع شأنه وقدسيته.

كوسموبوليتية كورونا الذي يتصرف بسلطة اوتوقراطية مطلقة, لا يمنع اكتساحاته انتماءاً ولا أيديولوجيا ولا حدوداً ولا رمزاً يعبده أو يضعه تاجاً على رأسه, هو المتوج أصلاً بشنادخ تلز بالضحية لزاً,… الزم البشر الانعزال والتقوقع ورسم حدوداً تضيق كل يوم للحركة. لا يعترف بالأمم المتحدة ولا يلتفت لقرارتها على اختراقاته ومجازره.

هذا الفيروس الدكتاتور الذي هو أصغر وأوضع من ان ندعسه ببوز أحذيتنا, الذي لم يكن في عين أحد. أرهب العالم – أثار هستيريا كونية في البحث عن كمامات ومعقمات, وورق تواليت, وأودى بنظم صحية وكشف عورات مؤسسات ودول تتباهى بتفوقها الطبي والدوائي, وأربك اقتصادياتها وتحركاتها, وأخضع امبراطوريات تتبجح بجبروتها النووي او بقداستها الربانية,.لكنها ركعت عاجزة امام غيّ هذا الطاغوت… الذي عطّل عادات اجتماعية متجذرة وطقوس لم تنقطع مراسيم تأديتها قرون طويلة, كما ألغى بصفاقة كونسيرتات موسيقى الكلاسيك وحفلات مغني الروك والريكا والهافي ميتال والراب والكونتري وباليهات البولشوي…كما مباريات الليغا و الفورمولا – وان, والأولمبياد.. وقلب أوضاع البشر رأساً على عقب وشل حركتهم, وحوّل السلوك الطبيعي الى خطر !

في وقت هذه الجائحة الجامحة, يتوسل الأنسان بأي بصيص امل لينفذ من حصار المرض اللعين وما يفرضه من قيود الأيزوليشين والكفارانتين والأحتماء وراء كمامة, ليغطي بها أضعف منافذ تسلل المرض, أنفه وفمه.

ولأننا ” لا نتحوط لقارعةٍ حتى تحل بنا “.
غالباً ما تطفو على السطح, معالجات فنطازية, اضافة الى التي تستند إلى العلم كالأدوية واللقاحات التي استعملت في حالات سابقة لمكافحة أوبئة وأمراض, مثل الملاريا والإيبولا وكذلك الإيدز…, ليست نتاج تجارب مختبرية او أبحاث علمية تعتمد دأب التجربة وديمومة البحث بل وسائل تقليدية, ليست لها علاقة, حتى, بطب الأعشاب. اقل ما يمكن ان يقال عنها أنها تدخل في دائرة الخزعبلات والدجل والشعوذة والروحانيات والسحر لإخراج شياطين الأمراض من الجسد البشري بعد ان تعجز عن طردها عصا الدجال.

فبالرقى والبخور و أدعية الوقاية من الأمراض الفتاكة, ثم التعلق بحبال الأستغفار عن خطايا لم يرتكبها المستغفر يوماً ولكنه يتوسل العفو والمغفرة, بحكم العادة, وعلى سبيل الاحتياط, ليتحرر من ثمة هاجس داخلي ممض يؤرقه, واستمطار البركة الإلهية, من ثمة, لأجتراح معجزة تحل الأمور بضربة يد ميتافيزيقية حانية واحدة, تمحق بها كل الأوبئة والأمراض وما تسببها من بكتريا وجراثيم وفيروسات وفطريات وطفيليات, وغيرها من مُسمياتٍ لكائناتٍ مجهرية…

آخر صرعات الوقاية كانت ” نقيع التميمة ” جادت به قريحة مُعمم, يُشيع أنه قادر على الإتيان بمعجزة…
بيد أنه, هو ذاته كان يتعطّس كورونا, ويكاد يلفظ رئتيه على الجالسين تحت منبره, ثم ينصحهم بشرب ” ماء التميمة ” بعد تنقيعها واستخلاص عصارتها المقدسة, بشرط كرعها على الريق بعد البسملة والحوقلة.

كان يردد, في البدء, أن الفيروس كذبة, وعندما جد الجد وانتشر الوباء, اعتبره مؤامرة عدو تأكله الغيرة من ديننا وتديننا وتاريخنا التليد.
أحد الجالسين بين يديه همس, متوجساً, لصاحبه : ” انظر ! وجهه أبيض مثل الكفن ويتصبب عرقاً مثل أهل النار ” !
فلم يكن من الضروري ان يكون المرء بذكاء باستور كي يستنتج أن الفايروس قد تلبسه وأخذ يفعل فعلته.

ولا يقل عن ذلك كارثيةً, نصيحة طبيب تقي, تبوأ رئاسة أعلى هيئة وطنية رسمية لمكافحة الفيروس, بالتمسك بالدعاء مرفقاً بغرغرة يومية بماء الملح, للوقاية منه ونوال الشفاء التام… وهو بما أوصى قد كان, في حقيقة الأمر, يستعجل عزرائيل لجمع حصاده الوافر من الضحايا.
ولنهرع بعدها لدفانّة مقبرة ” وادي السلام ” بالنجف لنواريهم الثرى بتسعة ملايين دينار لا غير.

ولتصبح المستشفيات والمؤسسات ومراكز البحث الطبية ووزارات الصحة وكليات الطب والتمريض ومن يشتغل بها, وفقاً لذلك, زائدة عن اللزوم, لا داعي لوجودها, يمكن حلها وتسريح منتسبيها, لنوفر الجهود والتكاليف في ظروف أزمتنا الاقتصادية الحالية, ونسارع متضرعين الى رجال الدين ومعابدهم لينثروا علينا نعائم بركاتهم من الرحمة ونصائح القبول بالمكتوب وبما يقدره القدر !

المشكلة لا تنتهي عند خزعبلائية هؤلاء المشعوذين وممارساتهم المجافية للعلم والمنافية للعقل, بسبب ما تحويه من أدعية وآيات لطرد شياطين الأوبئة وتعاويذ محق الجن, بل الرفض يتعلق ايضاً, بجوهر الفكر السقيم الذي تستمد منه نزعة كراهية الآخر والأنانية المقيتة, بإقصاء غير المسلمين من كل نيّة خير طيبة ولو دعوة بالشفاء نابعة من قلب نظيف.
وهذا السلوك يتقاطع مع الفطرة الأنسانية السليمة, ومع ما شرعته شعوب الأرض في لوائحها الدولية من وحدة المصير البشري وخصوصاً في مواجهة جائحة كورونا, بما يتوائم مع مفهوم إنسانية الطب وشموله لكل البشر حسب مباديء ” أبقراط ” السامية, بالاستعداد لمعالجة كل انسان محتاج للمساعدة بغض النظر عن أي تفصيلات شخصية وبكل الظروف…
فما يقترحه العلم من علاجات وحلول.. امصال وأدوية, وما ينشد اليه العاملون في هذا الحقل هو الصحة والسلامة, وهو حق للجميع دون تمييز.

ربما سيكون الحل الأمثل للهرب من طغيان الوباء وخزعبلات ائمة الدجل, ركوب قارب منفوخ, إلى جزيرة ” غيغليو ” الايطالية الصغيرة الواقعة بين البر الإيطالي الرئيسي وجزيرة كورسيكا, المنيعة على كورونا, كما أشارت الأخبار, رغم تواصل سكانها مع أقارب وسواح مصابين بالفيروس القاتل.

غير ذلك, وتبعاً لإملاءات الفيروس وانقطاع السُبل, لم يبق لدينا سوى التعلل بالمثل القديم :

” زُر غُبّاً ( في اوقات متباعدة ) تزدد حُباً !”.