9 أبريل، 2024 9:40 ص
Search
Close this search box.

يا هذا … من أين لك هذا … -١

Facebook
Twitter
LinkedIn
قال رسول الله محمد (ص) : ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ ، مِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ ) ، ولنا في حوادث الوقائع شواهد ، حين وضعت معادلات الصدق في الإصلاح ومحاربة الفساد ، حيث يقول الإمام علي (رض) للخليفة عمر (رض) : ( يا أمير المؤمنين عفَفْتَ فعفّوا ، ولو رتعتَ لرَتَعوا( ، ويقول رجل لعمر (رض) وهو يخطب بين الناس : ( لاسمع لك ولا طاعة ، حتى تخبرنا من أين أتيت بالثياب التى غطت ساقك ) ، فيجيب الخليفة بعد حمد الله على أن جعل من الرعية من يسأله : ( أعطاه لي إبني عبد الله حتى لا تكون ساقي عارية ) ، بأولئك الرجال بنيت دولة الرسالة ، فما لها لا تبنى على يد من يدعي حب من بناها زورا وبهتانا ؟!.

من أين لك هذا ، عبارة درج المواطنون على إستخدامها عرفا ، لغرض التحقق والتأكد مما يمتلكه المواطن على حين غرة ( غفلة أو فجأة ) ، مع حرص الشارع على حماية وسلامة المالك وصحة المملوك من الطعن ، ببراءة الذمة من درن الحيازة غير المشروعة ، فأوجبت إلتزام المنفذ بما أنتجته قواعد وأسس بناء ثقافة سلوك الموظف الكفوء المخلص النزيه ، الذي لا تمتد يده إلى غير الكسب المشروع ، محصنة إياه بقواعد ومعايير قانون الكسب غير المشروع على حساب الشعب رقم (15) في 16/8/1958(1) ، المعدل بموجب القانون رقم (36) في 11/10/1958(2) ، ومن ثم المعدل بالقانون رقم (65) في 17/11/1958(3) .

وعليه يعتبر كسبا غير مشروع ، مال كل شخص مكلف بتقديم الإقرار طبقا لهذا القانون ولم يقدمه ، وما لم يثبت حصوله عليه بالطرق المشروعة ، إلا إننا لم نلمس تطبيقه لعدم وجود من تجاوز أحكامه لغاية إحتلال العراق في العام 2003 بشكل فاضح ، ولكن بدء طفح التجاوزات المالية بشكل صارخ وقبيح بعد الإحتلال ، مما أوجب ومن باب ذر الرماد في العيون التي أصابها الرمد ، أن يتولى رئيس مفوضية النزاهة العامة في العراق ، إصدار اللائحة التنظيمية رقم (1) لسنة 2005 (4) ، الخاصة بالكشف عن المصالح المالية ، والسارية أحكامها على الرئاسات الثلاث ونوابهم وأعضاء مجلس النواب والوزراء ومن بدرجتهم ، ووكلاء الوزارات وأصحاب الدرجات الخاصة ، ورئيس مفوضية النزاهة ونائبه ومدراء المفوضية ومحققيها ، والمدراء العامين ومن بدرجتهم ، وضباط الجيش والشرطة من رتبة نقيب فما فوق ، بهدف معرفة درجة ومستوى إثراء كل منهم على حساب الشعب العراقي ، من خلال مقارنة ما بحوزته من أموال نقدية وممتلكات عينية وعقارات ، وكل ما له قيمة نقدية تزيد على (1000) ألف دولار أو ما يعادلها بالدينار العراقي ، قبل تسلمه المنصب وبعده ، ويخضع للملاحقة الجزائية كل من يثبت ثراءه بسبب إستغلاله لوظيفته أو لمنصبه ، أو إمتنع عن تقديم الكشف عن المصالح المالية أو إكمال بياناته ، أو من أخفى معلومات جوهرية مطلوبة أو قدم معلومات كاذبة ، ويحق للجمهور بموافقة رئيس المفوضية ، الإطلاع على المعلومات الواردة في تقارير الكشف عن المصالح المالية وفحصها وإستنساخها ، كما نصت المادة (127) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، على أن ( لا يجوز لرئيس الجمهورية ، ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء ، ورئيس مجلس النواب ونائبيه وأعضاء المجلس ، وأعضاء السلطة القضائية ، وأصحاب الدرجات الخاصة ، أن يستغلوا نفوذهم ، في أن يشتروا أو يستأجروا شيئا من أموال الدولة ، أو أن يؤجروا أو يبيعوا لها شيئا من أموالهم ، أو أن يقاضوها عليها ، أو أن يبرموا مع الدولة عقدا بوصفهم ملتزمين أو موردين أو مقاولين ) ، والسؤال الذي لا بد من طرحه ، هو لماذا لم يتضمن النص الدستوري الإشارة إلى نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء ؟!، مع إشارته إلى نائبي رئيس مجلس النواب الذين لا يملكون سلطات أو صلاحيات إدارية تنفيذية تساعدهم على ذلك ، وإذا كان الموضوع متعلقا بإستغلال النفوذ والسلطة المباشرة للمذكورين ، فمن الأولى أخذ الحيطة والحذر من الإستغلال غير المباشر للنفوذ ، بإضافة عبارة ( ويسري ذلك على أزواجهم وأولادهم وأقاربهم إلى الدرجة الثالثة ) إلى آخر نص المادة المعروضة ، تجنبا لما قد يمارسه أقرباء شاغلي المواقع والمراكز العليا في الدولة ، من محظورات نيابة عنهم خلال مدة توليهم مسؤولية إدارة الدولة ، وما يسببه ذلك من إشكالات وإحراج لا يصب في صالح المسؤولين وإن إستقامت أخلاقهم وسلوكهم وتصرفاتهم في مجالات النزاهة المختلفة ، وعليه فإن إصدار قانون براءة الذمة المالية من الكسب غير المشروع ، مع سريان أحكامه إعتبارا من 1/1/1990هو المطلوب ، لبدء إنتشار دبيب الفساد الإداري والمالي منذ ذلك التأريخ ، مع التوسع في ساحة الشمول لتشمل القضاة ومدراء الأقسام بأحكامه ، من خلال تخويل الوزير المختص ورئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة ، بإخضاع بعض المديريات ذات طبيعة العمل الخاصة والمؤهلة لإثراء موظفيها على حساب المصلحة العامة ، مثل مديريات الكمارك والضريبة والتنفيذ والبلديات ومديريات منح الإجازات الخاصة بأعمال القطاع الأهلي الخاص ، لأن مشروع قانون من أين لك هذا المعروض أمام مجلس النواب حاليا ، لم يكن مستوفيا لما يجب تضمينه فيه لمعالجة حالات الخلل المنتشرة في الوقت الحاضر.

ومع رفضنا الشديد لممارسات بعض المتظاهرين السذج ، إلا إننا نجد في محاسبة من يشارك مجاميع الغوغاء في عمليات الإضرار بالمال العام على وجه التخريب أو السرقة ، تعسفا ظاهرا للتغطية على المظاهر المماثلة وبالطرق الأخرى المختلفة التي يتبعها المسؤولون وأولادهم داخل وخارج العراق ، ومع كل حالات الإثراء الفاحش وهدر المال العام بالإسراف والتبذير وسوء الإستخدام الفاضح ، لم نجد من تمت مساءلته ومحاسبته ، ولم تكن دعوات الإصلاح ومحاربة الفساد ، وما تقدمت به الحكومة والبرلمان من أوراق وحزم الإصلاحات في سنة 2015 ، إلا كذبا وضحكا على الذقون ، حيث نص المحور الخامس من ورقة الإصلاح الحكومية الخاص بمكافحة الفساد ، على ( تفعيل دور مجلس مكافحة الفساد ، ويتولى السيد رئيس الوزراء رئاسته ، وإطلاق حملة ( من أين لك هذا ) إلى جانب مهام المجلس الأخرى ، وبالتعاون مع القضاء ) ، وعلى ( فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد ، تتشكل من المختصين وتعمل بمبدأ ( من أين لك هذا ) ، ودعوة القضاء إلى إعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين ، ووضع سقف زمني لحسم قضايا الرقابة وكشف الفساد والإعلان عنها طبقا للقانون ) . ولكن الشعب لم يجني من الإجراءات إلا ما زاد فيها من نتانة الفساد ؟!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (17) في21/8/1958.

2- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (52) في13/10/1958 .

3- نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (78) في 21/11/1958.

4- نشرت اللائحة في جريدة الوقائع العراقية ذي العدد (3997) في 2/5/2005.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب