يا كليم الموت.. أتعبتنا

في ليلة النيروز كان جميعهم يتحضرون فرحين بما يلبسون غدا من ثياب السعادة والمرح وجلباب جديد لم يلامس طهارتهم قبل ذلك.. ما كانوا يعتقدون ان هذا الجلباب سيكون هو الكفن الأخير الذي سيحتضن براءتهم وتلك الطفولة التي افقدها جريان الماء نبضها.. فلم تعد تستنشق الهواء ولم تعد أذانهم تسمع صوت أمهاتهم وهي تؤذن في مسامعهم..
دللوه بالولد يمه دللوه.. عدوك نهر والجاري بعيد..
والتهمهم دجلة التي ما انفك ولم يقتنع ولم يشبع من أرواح أبناءنا.. لا اعرف لماذا كأني أراه أفعى تمتد من عمق التاريخ إلى أخر نفس يلفظه احد أطفالنا وهو يستغيث من شدة الاختناق… أفعى تلتهم كل من يفكر بالسعادة على أحضانها.. فبالأمس جسر الأئمة ومن بعده سبايكر واليوم عبارة الموصل التي أفجعتنا وحولتنا إلى زهيق يكاد يقبض أرواحنا في أول يوم من أيام السنة الفارسية..
لا اعرف كيف استطاع ملك الموت من قطف كل هذه الإزهار في لحظة واحدة .. لا اعرف كيف أخذت يداه وهو يراهم يستغيثون بكل شيء من شدة الاختناق ومن هول المصيبة والخوف اللذان سكنا أضلعهم الرقيقة التي لم تكن تقوى على تحمل جريان الماء الذي لم يرحم بهم.. وهذا عطرهم صار يملئ كل أركان النهر وصوت صراخهم يرن مسامعنا.. متى تكتفي يا عراق من أكل أبنائك ومتى نعيش تحت ظلم امنين..