في مدينتنا عندما نريد الإقدام على عملٍ يتطلب همة وعزما وشجاعة نقول : “يا علي” , تأكيدا على قدرات وعزيمة الإمام علي بن أبي طالب.
وفي ذكرى مولده تذكرت “يا علي” , وما تعنيه وتدل عليه من إرتباط المسلم بالأئمة وأولهم الإمام علي , فالمسلم ايا كان مذهبه ومدرسته يعتز أيما إعتزاز بعلي وأحفاده أجمعين.
والإمام علي مدرسة أخلاقية وسلوكية وفكرية وثقافية وفقهية , وبلاغية موسوعية صنعت الإرادة الإسلامية , ووضعت الحجر الأساس لإنطلاقة الدين الخالدة.
فهو المدافع الكرار عن الإسلام منذ أولى المواجهات الحامية مع أعدائه قبل معركة بدرٍ وبعدها , وله ملاحمه البطولية وشخصيته العربية الأبية.
وكان الفقيه المنيرعلى مدى ربع قرن من زمن الخلفاء الراشدين حتى آلت إليه الخلافة, وتعامل معها بحلم الإنسان الذي يقدم القدوة الحسنة الصالحة , اللازمة لديمومة الدين والتعبير عن قيمه ومبادئه , التي ترسخت في يقينه منذ الصبى وهو برفقة نبي البرية وسيد المرسلين.
وقد ضرب أمثالا خالدة في العفة والمعاني السامية النابعة من جوهر الدين , وفيض المدارك القرآنية التي كان يعلمها علم اليقين.
ولا يمكن لكاتب أن يبلغ التمام والكمال في الكتابة عن الإمام علي , ذلك السراج العربي الهاشمي الساطع في ربوع الأماكن والأزمان , والذي يزداد حضورا في جميع الأجيال المسلمة على مر العصور , فما أن يُذكر الإسلام إلا ويكون متوقدا فيه.
فهو الذي أغنى العقول وأترع النفوس بأصدق الكلمات المنيرات , المعبرات عن خلاصة وعيه للسلوك البشري ونوازع النفس ومشاربها.
وهو واضع أصول ومبادئ علم النحو والبلاغة , وكانت خطبه وأقواله روائع إبداع أصيل لا تتفوق عليها قدرات البلاغيين من بعده.
هذا الإنسان المنوّر بالقرآن والصحبة والمصاهرة المحمدية , والعارف بشؤون الدين والدنيا , تجدنا اليوم لا نعرفه بأعمالنا , وندعيه بأقوالنا وعواطفنا وجهلنا , فنسيئ إليه ونظلمه وأحفاده , إذ نحسب أننا نحبه ونحبهم وما نقوم به لا يرضاه أي واحد منهم.
فهل أن قتل المسلم للمسلم يرضي عليا , وهل ما نقوم به من مظالم ومفاسد وشراهة مال ومناصب , وأنانية وغرور وإفقار للناس وسلب لحقوقهم وقهرهم من مبادئ علي ؟
إن ما نفعله جميعا ومن كافة المذاهب والفرق والمدارس والتصورات , إنما يقاتل عليا ويُغضبه وينسف مبادءه وقيمه ويمحق معاني الدين القويم , الذي ذاد عنه بالغالي والنفيس وأبى أن ينكسر أو ينحني للدنيا الوافدة إليه بما رحبت وأهدت.
“يا علي” , ما أحوجنا لقولها سوية بقلب واحد وإرادة معتصمة بحبل الله المتين , لكي نكون ونتحرر من الذل والهوان والسلوك المُخزي , الذي نلصقه بالإسلام ورموزه الأخيار الأبرار.
تحية محبة ووفاء وإجلال وتقديرللإمام علي , وياليت مَن يدّعيه أن يعبّربسلوكه عن خصلة واحدة من خصاله العلياء , ولكن هيهات هيهات أن نعرف عليا بأفعالنا , ولا حتى بأقوالنا!!
وهو القائل:
“ذهبَ الوفاءُ ذِهابَ أمْسِ الذاهبِ
فالناسُ بينَ مُخاتلٍ ومُواربِ”
وما أكثرهم في زماننا الموؤد بجهلنا “يا علي”!!