22 ديسمبر، 2024 7:38 م

يا صديقي كلنا لصوص!

يا صديقي كلنا لصوص!

تصور لو أنك وأسرتك تتلقى العلاج الطبي بشكل منتظم عند طبيب استشاري متخصص يحمل شهادات عالمية من كبرى الجامعات البريطانية أو الأميركية لسنوات، ومن ثم تكتشف فجأة عبر وسائل الإعلام أن الذي عالجك وسهر على صحتك لم يكن غير مضمد (تمرجي) بسيط لا يحمل أي شهادة طبية عالية، ولم يدخل كلية الطب، ولم يتخصص في أي لون من ألوان الطب البشري، بل “طلع” مزورا كبيرا، زور شهاداته الطبية مقابل مبلغ من المال لتمشية حاله “بالفهلوة” و”تفتيح المخ”.

وتخيّل أيضا أن أستاذك الجامعي الذي تولى تدريسك أربع سنوات في الجامعة، ومن ثم أشرف على رسالتك الجامعية لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه طلع “دجالا” ضليعا في فن التزوير، زور شهاداته العلمية بكل مهارة وخفة يد، وهو في الأصل لا يملك أي شهادة غير شهادة المتوسطة التي لا تخوله حتى الدخول إلى الجامعة، فضلا عن التدريس فيها.

والأدهى من ذلك والأمرّ أن تفاجأ أن رئيس الشرطة الذي يسهر على حماية أمنك وأمن منطقتك، لم يكن غير إرهابي عريق، وحراميّ كبير، يحمي الحرامية والإرهابيين، جاهل، لا يقرأ ولا يكتب، ولا يكاد يفك الخط، استغل حالة الفوضى الأمنية والقانونية في البلاد، فقفز إلى الواجهة عن طريق المحاصصة السياسية السائدة في البلاد، بشخصية وشهادة مزورة جديدة.

بالطبع دهشتك تكبر وتزداد أكثر وأكثر لو عرفت أن الذي يمثلك في البرلمان أو من يتولى مسؤولية حكومية بارزة “وزراء، وكلاء وزارات، قادة عسكريون بارزون” قد ارتادوا سوق “المريدي” (سوق في بغداد متخصص في تزوير الشهادات بأنواعها وحسب الطلب مقابل مبلغ من المال) وعملوا الواجب على أكمل وجه قبل أن يعينوا مسؤولين كبارا بشهادات مزورة!

إذا كان وزير العدل العراقي في عهد رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” صرح بأنه تم الكشف عن 50 ألف موظف وموظفة يحملون شهادات مزورة، فإنه لم يقل سوى نصف الحقيقة وربما أقل، فالأعداد التي لم يستطع الوزير أو أي جهة أخرى رسمية كشفها أكثر بكثير من هذا العدد، جيش كبير من المزورين والمحتالين غزوا دوائر الدولة ومؤسساتها بشكل لم يسبق له مثيل، فشغلوا كل المناصب والوظائف فيها، من الخفير إلى الوزير، ولم تعد المواقع المهمة في الدولة حكرا على وجوه سياسية معروفة، لها تاريخ نضالي وطني مشرف، كما كانت الحال في الماضي، بل أصبحت بيد أناس غرباء لا أحد يعرف أصلهم وفصلهم، وتاريخهم السياسي مجهول؛ من أين جاؤوا؟ وكيف قفزوا إلى السلطة؟

فالكثير من هؤلاء الذين تبوءوا مناصب مهمة في مؤسسات الدولة يحملون شهادات مزورة، وبحسب قول مستشار الأمن الوطني والبرلماني السابق موفق الربيعي فإن “الكثير من أعضاء مجلس النواب يحملون شهادات مزورة ونسبة كبيرة منهم فاسدة إدارياً ومالياً”.

وكذلك شن عضو هيئة النزاهة في البرلمان “مشعان الجبوري” هجوما شديدا على أقرانه البرلمانيين والسياسيين بشكل عام، قال بالحرف الواحد: “…جميعنا نكذب، جميعنا نسرق، جميعنا نأخذ رشوة، ومن يقول غير ذلك يكذب، أقسم بالله أعرف قصصاً لو يعلمها العراقيون لدخلوا إلى المنطقة الخضراء وأحرقوها، لكني سأقتل إن تكلمت”.

أخيراً وليس آخراً فقد وصفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية في تقرير لها البرلمان العراقي بأنه “أفسد مؤسسة في التاريخ” بسبب كثرة الأموال والامتيازات التي يحصل عليها عضو المجلس من دون تقديم أي قانون يهم البلد!