أن القرآن الكريم ومفاهيمه وقضاياه الحقيقية تجري مجرى الشمس والقمر وتصلح لكل زمان وتنطبق على كل قوم فلو تدبرناه بصفاء ونقاء نجد انطباق مفاهيمه على كثير من المصاديق في واقعنا المعاش , ولكل واقع ظروف موضوعية ومقدمات تكون علة وجودها سواء أكان الواقع سلبياً أم إيجابياً , ممدوحاً أم مذموماً , شراً أم خيراً ! وكل هذا يجري تحت سطوة الله تعالى وقضائه وابتلاءه وجزاءه وثوابه وعقابه , ونرى سعة رحمة الله تعالى تتجلى حتى في عقابه فعندما يعاقب الانسان ليس تعدياً ولا تشفياً بل تطهيراً وتنبيهاً والفاتاً عن غفلته وذنوبه ودعوة للتوبة والرجوع الى الحق ونوره ,يقول الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) معنى ظهور الفساد هنا هو البيان والوضح والاستعلاء على الإصلاح والصلاح ويعني كذلك خروج الشيء عن طبيعته , والفساد مفهومه كلي وشامل , فساد عقائدي وفساد فكري وفساد أخلاقي وفساد قانوني وفساد اداري وفساد مالي وفساد مجتمعي ,وعلة ذلك أيدي الناس بما كسبت من عمل فاسد طالح غير طبيعي وهنا لفظ الايدي يصح بمعناه المجازي ومعناه الحقيقي , فكان العقاب الدنيوي بعض وليس كل ما عملوا , ومن مصاديق هذا البعض العقابي هو نقص في الأموال والانفس والثمرات والثروات الذي هو متداخل ويتضمن نقص الأمن ولأمان وبعضكم يذيق بئس البعض والفرقة والتناحر والطائفية والقتل والذبح والهلع والقلق والضنك , وما ينتج عن ذلك استخفاف وإصرار وتفرعن الفاسدين , كل هذه المصائب والبلايا الغاية منها عقوبة جلية محسوسة معاشة لا تنكر ولا يمكن المغالطة والتبرير عنها الهدف من ذلك هو لعل هذه الناس التي تسببت بنفسها لنفسها هذه العقوبة كاستحقاق , لعلها ترجع وتقر وتعترف بما كسبت وتسببت وتلتفت الى كيف خدعت ومن خدعها وغرر بها فتعلن انتفاضة ثورية إنسانية بعد ثورة تغيرية والانتصار على النفس وتحكيم العقل وتحسين العلاقة بالرب الأعلى قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍحَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )!
بعد هذه المقدمة أليس في العراق كل هذه المصاديق من الفساد وأكثر مما ذكرنا , أليس ظهور هذا الفساد بما كسبت أيدي الناس التي في يوم ما عضت على أنامل هذه الأيدي ندما بما كسبت , ألم يذوقوا نقص الأنفس وما زال , ونقص الثمرات والأموال والثروات , ونقص الأمن والأمان والاستقرار والراحة طيلة ثلاثة عشر عاماً بسبب تأيديهم وتسليطهم للفاسدين وتكرار هذا الـتأييد باصرار وعناد وفكر متطرف طائفي بعد اتباعهم وتصديقهم بوعاظ السلاطين وأئمة الضلال والانحراف والعمالة والانتهازية , ومما يعظم العقوبة أنهم كانوا يسمعون صدوت الهداية والنصيحة والإرشاد والتحذير مما وقعوا فيه لكن صموا آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا !! فما السبيل للخلاص والإصلاح ؟! لا سبيل الا بانتفاضة إنسانية وطنية أخلاقية شرعية قرآنية ورجعة ندم وتوبة حقيقية لقلع جذور كل الفساد والفاسدين وعدم الانخداع والغرور بهم مرة أخرى وبحلولهم الترقيعية النفاقية التي تعني بقاء وإستمرار الفساد والاستخاف , وهذا ما أشار اليه المرجع العراقي العربي السيد الصرخي في جواب جديد له على استفتاء قدم لسماحته بتاريخ 7-4-2016 حول الوضع وما آلت اليه الأمور بعد التظاهرات والاعتصامات ودعوات تشكيل حكومة تكنوقراط قال سماحته (أو ان ينهض شعب العراق ويلتحق بالشعوب الحرة مقتلِعًا كل جذور الفساد، حيث لا يوجد أيُّ مسوّغٍ للقعود والخضوع والخنوع لا في الشرع ولا في المجتمع ولا في الأخلاق قال القوي العزيز:{{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) وقد علل سماحته ذلك بأن كل دعوة إصلاح ما هي الا خداع وتغرير مادام نفس العملية السياسية وآلياتها الفاسدة المسببة للفساد حيث قال في مقدمة جوابه ( … ولكن يقال إنّ للإصلاح رجالًا وظروفًا وشروطًا ومقدّمات مناسبة، وواقع الحال ينفي وجود ذلك !! ـ ولا أعرف كيف سيتم الإصلاح بنفس العملية السياسية ووسائلها وآلياتها الفاسدة المُسَبِّبة للفساد؟! ـ وهل الفساد منحصر بالوزَراء أو أنَّ أصلَهُ ومنبَعه البرلمان وما وراء البرلمان، فلا نتوقع أي اصلاح مهما تبدّل الوزراء والحكومات مادام اصل الفساد ومنبعه موجودًا ؟!! ـ وهل نتصوّر أن البرلمان سيصوّت لحكومة نزيهة (على فرض نزاهتها) فيكون تصويتُه إدانةً لنفسه وللكتل السياسية التي ينتمي اليها؟! ـ وأدنى التفاتة من أبسط انسان تجعله يتيقّن أنه لا يوجد أمل في أيِّ اصلاح لان كل المتخالفين المتنافسين المتصارعين قد اتّفقوا على نفس التهديد والتصعيد وهو سحب الثقة من رئيس الحكومة وحكومته!!! وهذا التهديد ونتيجته الهزلية يعني وبكل وضوح الرجوع الى المربّع الأوّل في تشكيل حكومة جديدة حسب الدستور الفاشل وتوافقات الكتل السياسية نفسها والدول المحرّكة لها، ـ وعليه ينكشف أن الإصلاح ليس بإصلاح بل لعبة للضغط والكسب أو للتغرير والتخدير وتبادل الأدوار قد أذنت به اميركا وإيران !!ـ وهل تلاحظون أن الجميع صار يتحدث ويدعو للإصلاح وكأنهم في دعاية وتنافس انتخابي !! و موت يا شعب العراق الى أن يجيئك الإصلاح!!! ـ وهكذا سيتكرر المشهد الى أن تقرّر أميركا تغيير قواعد اللعبة السياسية في العراق، )