حين أنطلقت تظاهرات الشعب في الحادي والثلاثين من تموز الماضي في ساحة التحرير وبقية ساحات التظاهر في المحافظات ، كان لا بد لهذه التظاهرات من قائد ومسيطر وضابط لها ، حيث كان خروجها عفويا مقتصرا على عدد من الساعات في كل يوم جمعة.وكانت الحكومة ومجلس النواب العراقي لا يلتفتان الى مطالب الشعب التي لا تتعدى توفير الخدمات البسيطة التي من الواجب على أي حكومة توفيرها لشعبها بكرامة ، كالماء والكهرباء والصرف الصحي وتعبيد الطرق وتوفير الوظائف للعاطلين ومحاربة آفة الفساد التي نخرت الأقتصاد العراقي وشلته ، والتي لم يظهر تأثيرها جليا ألا بعد أنهيار أسعار النفط عالميا ، حتى تحول العراق من أغنى دول العالم الى دولة فقيرة تستجدي المساعدات والقروض من الدول والبنوك العالمية.وحين تدخل السيد مقتدى الصدر وطالب مؤيديه للخروج والتظاهر ، كان لهذا القرار تأثيرا كبيرا حيث شكل ورقة ضاغطة على الحكومة والبرلمان للآلتفات الى الشعب وتلبية حاجاته ومطالبه .فالتف حول السيد الصدر الألاف من خارج تياره الصدري ليشد بعضهم بعضا في زخم تظاهري كبير ، تحول الى أعتصام وزحف من ساحة التحرير صوب المنطقة المحصنة الخضراء مما أرعب الكثير من الفاسدين وهز عروشهم العاجية ، وتوجت تلك الأعتصامات بأعتصام السيد الصدر نفسه في داخل المنطقة الخضراء لمدة خمسة أيام بلياليها ولم ينهي أعتصامه ألا بوعد تقديم تشكيلة وزارية من التكنوقراط.وما أن رفعت خيام المعتصمين حتى تنفست الحكومة والبرلمان الصعداء ، وبدأت جولاتهم وزياراتهم المكوكية للالتفاف حول مطالب المعتصمين وتسويف الوعود التي قطعوها ، وهذا ديدنهم منذ 2003 الى يومنا هذا ، وليقدموا تشكيلة وزراء لم تحض بموافقة البرلمانيين كونها أستندت على المحاصصة المقيته.وحين أنفلت عقد الكتل البرلمانية وخروج نوابا أحرارا عن طاعة رؤساء كتلهم وأحزابهم ، كان لنواب التيار الصدري الدور الأكبر في هذه الأنتفاضة البرلمانية البيضاء التي لم يكن هدفها ألا نبذ المحاصصة الطائفية والقومية والعرقية وأنتخاب هيئات للرئاسات الثلاث تتمتع بالنزاهة والأدارة والقيادة بغض النظر عن أنحدارهم القومي أو المذهبي ، وضرب العملية السياسية القائمة على أسس طائفية وعرقية ومذهبية عرض الحائط ، وبناء تجربة برلمانية جديدة أساسها الولاء للعراق وحده.لقد كان خطاب السيد الصدر مخيبا لأمال الشعب العراقي وهو يدعو كتلة الأحرار الى الأنسحاب من أعتصام النواب وتجميد عملها ، وهي الكتلة الأكثر نشاطا و فاعلية والتصاقا بهموم الشعب العراقي.لذا فأن أمل الشعب العراقي بالتغيير والقضاء على الفساد والفاسدين قد أنهار وتلاشى ، وأن أعتصام الجماهير وتظاهرهم أمام الوزارات لم يعد يجدي نفعا بعد أن وأدت ثورة البرلمانيين ، وسيعود الفاسدين مجددا لمناصبهم وسيبقى الوضع عما هو عليه حتى يشاء الله ، أو أن يتراجع السيد الصدر عن قراره أكراما لحقوق الشعب وأمواله المنهوبة والمهدورة .