17 نوفمبر، 2024 6:47 م
Search
Close this search box.

يا سلام .. يحتفلون بالديمقراطية بدلا من الهوية

يا سلام .. يحتفلون بالديمقراطية بدلا من الهوية

ظاهر الامر انها احتفالية بالديمقراطية العالمية اما باطنه فهو احتفال بالوسيلة التي ابتغوها لكي تعرج بهم الى غاية المنتهى ” السلطة ” وهي النعمة التي ظلها وارث عليهم اما علينا فهي الطامة الكبرى التي حفظت وادامت عروشهم وحصنت خضرائهم واسكنتهم فسائح القصور وملئت خزائنهم بما خف وزنه وثقل مقداره , فلماذا المكابرة والتظاهر بالاحتفال على المنابر أهي العزة بالاثم التي اخذتهم عما اقترفوه أو الفخر والزهو بما انجزوه او لعله وهم من الفكر وعلى الشعب جربوه او انها اهداف قد رسمت بدقة ممن كان يحميهم ويمولهم وهي ابعد من ان نتصورها ونعيها وكان علينا ان نتقبلها لانها لبست وتزينت بميول قديمة وعقيمة بعد ان سلمنا امرنا لهم وكنا بذلك لمن الغافلين , وتركناهم يبحرون في هوى الديمقراطية ينتفعون ويعبثون ويتبخترون بانهم صانعيها وهم لها حافظون فتأسست ديمقراطية المكونات والاحزاب والطوائف والقوميات واصبح الجمع من العامة عالقا في بعد قاهر من الزمن مثقلا بذاكرة الماضي وموروثاته ومرغما على الحاضر وتداعياته ولا يستقرئ المستقبل ولا احداثه الا طيفا مرَّ به فاصبح سرابا فهباءا منثورا حتى بان الخراب ظاهرا على عصر من الانحطاط والتدهور طال الجميع الا الذين اعتلوا المناصب وتقلدوا الزعامة ومن تبعهم من ذيولهم فقد تحصنوا ونالوا ما كانوا يضمرون .
لاشك ولاريب اننا شعب لايفقه ولا يعلم عن النظام الديمقراطي شئ قط الا تلوين الاصبع البنفسجي , لما احتوى هذا النظام من تعاريف ومفاهيم متعددة لحداثة التجربة علينا ولظاهرة الجهل السياسي المدقع على مختلف الاوساط التي لم تستطيع ان تطلق ولو ورقة واحدة لتاسيس مشروع الدولة , فظهرت للديمقراطية ثلاثة تعاريف اساسية طبقا للمستويات الفكرية التي تتعامل معها , الاكثر غلبة منها هو المستوى الشعبي الذي يعرفها بانها حكم الشعب , وادواته هي الانتخابات ثم يقف عند هذا الحد ولايستطيع بما ينقصه من وعي ان يعبر الى اكثر من ذلك الا بمتطلبات بسيطة قصيرة المدى , اما المستوى الثاني فهي تلك الطبقة التي تسمى بالسياسية والتي استغلت تلك الورقة بشكل مريب لتصل الى الهدف الاسمى وهو ” العرش ” بمختلف اشكاله وطبقاته لتبدا بعد ذلك المهمة الاساسية وهي كيفية الحفاظ عليه وادامته وحتى توسعته وهو بالطبع يسلك الطرق القانونية والدستورية التي يشرعها الى نفسه ضمن اداة الديمقراطية وساحتها المفتوحة ثم تبدا لعبة التقاطع السياسي التي تدور في سوق المنافع والمغانم مع اللاعبين الاخرين لتحقيق اكبر عدد من الاهداف,والمستوى الثالث هي تلك الطبقة الواعية من المثقفين والنخب الفكرية والتي تنظر الى الديمقراطية بانها ممارسة تطبيقية تعتمد في قواعدها الحقوق والواجبات وترسم البرامج الهادفة لتحقيق الانجازات وتشريع القوانين العادلة لحماية النظام من عبث العابثين وفساد المفسدين وتعمل على تحديث المسارات والنظم المختلفة وتكاملها لتنطلق الدولة بمؤسساتها وفق ستراتيجيات مدروسة وضمن اليات عمل ممنهجة والغاية هي الوصول الى استقرار سياسي يمهد الى استقرار مجتمعي وبالتالي الى استقرار انتاجي وعلى مختلف الاصعدة التي تؤثر في حياة الشعوب كالتعليم والقضاء والصحة .
الخارطة السياسية العراقية المعقدة التي كانت نقطة شروعها هو سقوط زمن الدكتاتورية قد اظهرت صراعات سياسية كانت لها خلفيات متجذرة وليست حديثة وهدف تلك الصراعات هي السلطة والزعامة والثروة وكل الاحزاب والكتل والتيارات التي تسيطر على القرار السياسي اليوم هي امتداد لمرجعيات اصولية وايديولوجيات متشددة تاخذ عناوينها من موروثات دينية او طائفية او قومية وهي حتى وان تطابقت في بعض المشتركات الا انها في الرؤية على المحك في اهدافها وخاصة احزاب وتيارات الاسلام السياسي ومن تبعهم من المتأسلمون وتيارات طبقة اليسار المهادنة لهم وايضا التيارات المؤدلجة التي غيبت عن الواقع السياسي بسبب الحكم الشمولي السابق وهي اليوم في احتضار فكري لما شهده العالم من تغييرات في صراع المحاور الايديولوجية , القسم الاعظم من هذه الكيانات لا يؤمن بالديمقراطية ولا يعترف بها ويعتبرها وسيلة الركوب الاسهل لتحقيق السلطة اولا واخيرا , كل هذا الخليط المعقد والمتنافر وباختلاف تشكيلاته واجنداته قد اقحمته ادارة البيت الابيض ليؤسس نظام ديمقراطي تعددي بلا منهجية ولا برنامج ولا حتى برؤية واضحة والنتيجة هي التي نراها في واقع العبث السياسي اللامنتج وتفكيك مشروع الدولة وتفتيت الارادة الوطنية وتغييب الهوية لتتحول الديمقراطية وفق هذه المعطيات الى ماكنة لانتاج الاحزاب وما اكثرعددها والزعامة وما اعظم مقامها واغراق المشهد السياسي بالتحالفات والائتلافات والمؤامرات ومصطلحات غريبة في قاموس الخراب السياسي كالشراكة الوطنية والمصالحة والمحاصصة وتعاريف هي علينا كارثية والقادم منها أسوء , وقد اظهرت سنوات الحكم التي مرت سقوط الديمقراطية امام قوة التسلط والهيمنة وتلاشى وبوضوح مشروع الدولة لتشتت القرار وعدم مركزيته وكان للولاءات المتعددة التي تعبر الحدود التاثير الكبير في ذلك والذي حول الاراضي العراقية الى ان تصبح مسرحا لصراعات اقليمية بعد ان فقدت التبعية الوطنية وحلت مكانها الولاءات المختلفة وبحلقاتها المعروفة , لذا اصبحت الرايات والدستور والمجالس كلها عن منهج الديمقراطية موبوءة ومحرفة وهي اليوم في اوج خطورتها والكل يحذر من تداعيات قادمة قد لاتبقي ولا تذر والمشكلة الاخطر هو ذلك الانعكاس من معطيات الفشل والفساد وانهيار الامن على الفكر الجمعي حيث يثار التساؤل وبسطحية السذاجة ان كانت هذه الديمقراطية هي المسؤولة عن هذا الخراب , لذلك بدأت الاصوات تتجه الى البحث عن قيادة تنقلب على الواقع برمته وهذا طبعا تحول خطير ربما يقلب الصراع السياسي الى صراع شعبي ثم الى فتنة كبرى هي علينا اشد واعظم من الفتنة الاولى .
فما هو الخيار الذي يملكه الشعب وهو مرغم على العيش بواقع مرهون بذلك الكم الهائل من الاحزاب والتيارات والزعامات والتي حصنت نفسها بمعزل عن الجمهور وهو فاقد الامل تماما في ان تكون تلك الديمقراطية المعلبة قادرة على تغيير الواقع في المرحلة القادمة على الاقل , هل ستكون الانتخابات القادمة وبما يملكه الشعب من وعي كافية للقضاء على الفساد وابعاد المفسدين وهل هناك من ضمانات لعدم تكرار كل ذلك الانهيار في جميع المسارات وخاصة الاقتصاد والثروة النفطية والمنظومة الامنية وابعادها عن الهيمنة الخارجية , قد يكون الحل شائكا ومحبطا ولكن علينا الاطلاع على تجارب الديمقراطيات العريقة في العالم وحجم التضحيات التي اعطتها الشعوب الواعية لضمان عدم خرقها من الذين يستغلوها جسرا لتحقيق السلطة والثروة وكيف انها تعتز بانها هي التي اسستها ورعتها وقامت بحمايتها ومراقبتها بالوعي المتنامي عند شعوبها وكيف ينظر الناخب ويتفحص المرشحون بما يحققون من برامج واهداف تنموية تحفظ الهوية الوطنية ضمن اليات تمس واقعهم المعاشي وليس باي مسمىيات اعتبارية اخرى , وطبعا تحقيق العدالة وصيانة العقد الاجتماعي بين الفرد والدولة كان الهدف الاسمى . وعندما يتعلق القرار بمصير شعب يعد بالملايين ضحى ولا زال يضحي وبدون ان يتحقق من حلم الديمقراطية حتى ولو طيف يصب في مصلحته بل بالعكس حين يكون ذلك الحلم قد اغرقه بظلام الكوابيس فسيكون الاحتفال بوهم الديمقراطية هو تغطرسا ونفاقا وتعاليا على المعاني الوطنية والانسانية وتمسكا بالسلطة التي اهدرت الدم والمال العراقي ولم تستطيع صيانة الهوية العراقية , كل الشعوب تملك في تقويمها يوما وطنيا يكون لها رمزا وايقونة تحتفل به وترفع به راية واحدة وتلبسه هوية واحدة ليكون لها عيدا واحدا وفي العراق الجديد ارتفعت لهم رايات عديدة واصبح لكل منهم اعيادا عجيبة وقد ملكت عقولهم هويات غريبة , يبقى الامل في شعبنا ان يقرر مصيره فيعلن يوما للاحتفال يكون له مجدا يفتخر به ويرفع عاليا راية العراق ليظهرها على الرايات كلها ويستحضر من نبراس حضاراته هويته العراقية ( اليس الامل بقريب ) .

أحدث المقالات