18 نوفمبر، 2024 12:51 م
Search
Close this search box.

يا ساسة العراق .. سارعوا لانقاذهم قبل فوات الاوان

يا ساسة العراق .. سارعوا لانقاذهم قبل فوات الاوان

استنجدني ذات مرة احد الاصدقاء في ولاية ميشغان الاميركية إذ كنت اترأس تحرير احدى الصحف الاميركية، فطلب مني نشر اعلان يطالب فيه المحامين بالوقوف الى جنب عائلة عربية جاءت حديثا لاميركا تستنجد لاسترداد طفلها الذي تم اخذه من قبل شرطة المدينة لخروجه للعب امام المنزل وحده، واعطاءه لعائلة ثانية ترعاه،
حيث يمنع القانون الاميركي ترك الاطفال القصر خارج المنزل او داخله دون مرافقة او ملازمة احد الابوين او المربية لهم، فضلا عن القوانين الصارمة الاخرى التي تعنى بالطفل منذ ان تدب به الحياة في بطن امه لحين تجاوزه سن القصور القانوني، كما هو الحال ايضا في دول الغرب الاوروبي.
هذه العناية الفائقة والقوانين المشددة لحماية الطفولة هي التي ارست دعائم التقدم والتحضر ومصادر القوة لهذه الامم العظيمة ، التي جاءت من خلال احترامها واهتمامها البالغ بالطفل بالشكل الذي ينظم حتى علاقة الوالدين بالطفل ، مع توفير مرشدات للاطفال دون سن الدراسة تقوم بزيارتهم لتهيئتهم نفسيا وذهنيا للمدرسة التي تعتبر فنادق خمس نجوم ، بالإضافة إلى توفير افضل وجبات الطعام الصحية وعصائر الفاكهة الطبيعية من خلال التعاقد مع الشركات المتخصصة في الاغذية وبإشراف لجان صحية.
استذكرت هذه المعلومات وانا اشاهد يوميا ومنذ عقود عددا كبيرا من الاطفال العراق لاسيما الرضع تستخدمهم العصابات المنظمة في عمليات التسول بشكل ملفت للنظر ومحزن الى حد جعلني اعتصر ألماً لمنظر بعض الاطفال وهم يقفون تحت اشعة الشمس المحرقة او في اقصى درجات البرودة يتم استخدامهم في مهنة الجدية الاجبارية من قبل ذويهم او الغرباء.
هنا اطرح عدة تساؤلات على طاولات المشرعين للقوانين والمسؤولين ، اهمها كيف سيمكنكم بناء دولة متحضرة وقوية ، وقسم كبير من اطفال العراق يمتهنون هذه المهن الخطيرة على مستقبلهم وبالتالي على مستقبل البلاد ، او كيف سننتج جيلا متعلما ومناهجنا المدرسية الاولية ما زالت تفتقد الى اشاعة اسس التحضر التي تعالج علميا وتربويا مخاطر العنف وآفات الجهل ، وكيف سنهيّئ اجواء دراسية  مناسبة ومدارسنا لاتصلح وفق المقايسس العالمية لحضيرة خرفان ، فضلاً عن ان  بعض معلمينا ومعلماتنا بحاجة الى تعليم وتأهيل نفسي يتناسب والتعامل الصحيح مع الطفل.
كما اشير هنا الى الارقام المخيفة لمستوى الامية وحالات تشرد الاطفال وتسربهم من الدارسة واستغلالهم في عمليات التسول المنظمة وفي المهن الشاقة حيث تعتبر هذه صور حالات مؤسفة تجعل من عملية نمو وتقدم البلاد امراً مستحيلاً .
من هنا ارى ان هناك مسؤولية وطنية وانسانية امام رئاسة الوزراء والبرلمان كونهما يمثلان السلطتين التنفيذية والتشريعية فضلا عن منظمات المجتمع المدني وقادة التظاهرات المقيمين في ساحة الحرية ؟ ، تتمثل بأهمية السعي الجاد والعاجل مع اطلاق حملة من اجل تغليظ القوانين  التي تحمي الطفولة ، لان القوانين الحالية غير مشددة ولاترتقي الى حجم وخطورة هذه الظاهرة ، والى استنفار القوات الامنية لملاحقة العصابات الاجرامية التي تستغل الطفولة دون رحمة  في حملات امنية منظمة بعيدة المدى من اجل حماية هذه الشريحة البريئة من الانحراف والاجرام ، وهي اقدس مهمة انسانية يمكن ان تضطلع بها الحكومة وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني لان هذه الظاهرة الخطيرة تعرقل بناء دولة متحضرة وقوية ، من خلال انتاج اجيال من اطفال الشوارع وتشكل حواضن لمشاريع تفريخ اعداد جديدة من المجرمين والمنحرفين في الحاضر والمستقبل. لذلك نحن نحتاج الان الى جهد وطني علمي منظم واستثنائي مع تشريع قوانين صارمة تتلائم مع حجم ملف الطفولة البائسة بالبلاد
وباعتقادي ان  الاهتمام بالطفولة كبنية تحتية اساسية تُرسى فيها دعائم البناء الحقيقي لوطن متحضر ومتقدم ، هي  الاساس المتين للمشاريع العمرانية التي يشهدها العراق ، وبدون الارتقاء والاهتمام بهذه الشريحة تعدّ  كل مشاريعنا ثانوية امام مشروع بناء الطفولة ، وبدونها سيبقى مجتمعنا يعاني من الجهل والتخلف وتفشي الجريمة والانحراف حتى وان شيدنا اعلى ناطحة سحاب او برج في العالم .
[email protected]

أحدث المقالات