” يا ذيب ليش اتْعوي , حالك مثل حالي , لقمان ما طيّبه , جرح البْدلالي”
أيام كنا نعرف الأمان والوئام والتفاعل الإنساني الإسلامي السامي النبيل , وفي أيام الصيف ننام في مدينتنا فوق السطوح , وبيوتنا متجاورة أو متلاصقة , وكان جارنا رجل متقدم في العمر ويبدو أنه لا يستطيع النوم بسهولة , فيمضي معظم الليل بالعتابة , ومما أذكره عنه أنه كان يردد كثيرا ” يا ذيب ليش اتْعوي…” وغيرها من العتابات المعروفة في الفلكلور العراقي.
وقبل يومين هاتفني زميل وقد تورط في عمله وما استطاع التحرر من قبضته والأيام عيد ,
فسألني : هل أنت في إحتفالية العيد؟
فقلت : ياليتني , لكنني وجدت نفسي خافرا!!
فقال ممازحا : سأقول لنفسي : ” يا ذيب ليش اتعوي…”
فأعادني إلى زمن بعيد , وذكريات رقراقة ذات نفحة جمالية وأخلاقية وقيمة تربوية , عندما كنا نتفاعل في مدينتنا , وتأتيك الثقافة التراثية من جميع الجهات , فما أكثر الأمثال والحكايات والأقاصيص , والأشعار العامية , والعتابات والأبوذيات , وخصوصا أيام الأعياد , حيث تصدح الحناجر الشجية الأصوات على أنغام ” المطبك”.
قلت لزميلي : مو بس إنت لازم تكولها , صارت جميع البلدان العربية ترددها وهي تدري أو لا تدري!!
فهل رأيتم بلدا واحدا من حولكم , قد نجا من لعبة الإفتراس , والإمتلاك الإختياري المهندسة بنظريات وبرامج عجيبة , والتي تُنفذ ببراعة ومهارة فائقة , تستحضر ما توصلت إليه علوم السلوك وتقنيات الإستحواذ على العقول والنفوس والثروات وتمزيق الشعوب بما فيها من القدرات؟!!
فالعالم من حولنا يتمتع بالبهجة والسرور ويتنعم بمعطيات المدنية المعاصرة , ويسعى إلى التمازج الإنساني الثري المنطلقات والواسع الآفاق , ودولنا لا تعرف سوى ترديد ” يا ذيب ليش اتْعوي…” , وتؤمن بأن جراحها وويلاتها لا تعرف الحلول والمخارج , وإنما إرتضت التوحل في السلبيات والضلالات والبهتان , والإمعان في توليد التداعيات والتمسك بما لا يصلح الأحوال.
” لقمان ما طيبه جرح البدلالي” , إيه يا عرب , فما عادت هناك نجوم أو بدور في بلاد العرب أوطاني , ولياليها دامسة الظلام , وما عاد يصح حتى قول ” عرب وين طنبورة وين” , بل يجب القول ” طنبورة وين عرب وين” و ” الدنيا وين عرب وين” , ويتساءلون كيف يهجر الشباب بلدانه , التي تتمنطق بالدين وتعمل بالمشين؟!!
وعند الكراسي المتعاوية الخبر اليقين!!
ذيب : ذئب
ليش : لماذا
اتْعَوي : من العواء
لقمان : الحكيم لقمان
طيّبة : شافاه
البْدلالي : في قلبي , والقلب يشير للعقل أحيانا
مو : ليس
بس : فقط , وتأتي بمعنى كفى
لازم : يجب
تكولها : تقولها
طنبورة : إسم إمرأة والقصة معروفة
وين : أين , وفي المثل تدل على الإنطلاق والرحيل