يكرر الإرهابيون نفس السيناريو في كل هجماتهم الدنيئة على مؤسسات الدولة في أنحاء العراق كافة. يفعلون ذلك دون أي تطوير أو ابتكار. والسبب معروف، فمؤسساتنا لا تحصن نفسها ولا تعْتَبِرْ من الهجمات السابقة. والذنب لا يمكن أن يقع على الوزير أو المسؤول المدني؛ فهذا من مسؤولية اجهزة حماية المؤسسات. وهذا يعني أن القائمين على هذه الاجهزة ليسوا عاجزون عن الابتكار فحسب، بل هم عاجزون حتى عن مواجهة ومعالجة الاساليب الروتينية التي كررها «التنظيم» إلى حد الملل.
لقد املنا أن تستبق مؤسساتنا الامنية مخططات الإرهاب وتتوقى منها، إلا أننا نراها اليوم عاجزة تماما عن وضع الخطط التي تحميها من السيناريوهات التقليدية التي يكررها شياطين الموت والدمار في كل مرة. ولا أرى حاجة لتعداد «الغزوات» المشابهة التي نفذها «تنظيم القاعدة» على ارض العراق.
نحن امام أزمة حقيقية؛ فقادتنا الامنيين عديمي الاهلية لإدارة معركتنا ضد الإرهاب. والسبب هو ليس تبعيتهم البعثية، كما يحلو للبعض أن يشير إليها في كل نازلة تلم بنا، فالبعث والبعثيين براء مما يجري، فالبعث وفكره ماتا منذ احتلال الكويت، حين قتل صدام حسين الروح العربية وأباح الدم العربي.
لم يبتكر قادة الأمن أي علاج ناجع سوى تعزيز السيطرات الثابتة، وهو تدبير اثبت عدم نجاعته، ولم يسهم إلا في مضاعفة معاناة الشعب، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على محدودية عقولهم وضعف خبرتهم. ولكي يغطوا على ضعفهم وخيبتهم، فهم يشغلون الشعب والساسة في تشخيص الجهة المنفـِّذة. وهذا أمر لا يحتاج لأي عناء؛ فلو أنهم انتظروا بضعة ايام لجنبتهم «دولة العراق الإسلامية» هذا العناء حين تعلن بملء فمها وبكل فخر أن مقاتليها هم من نفذوا هذه الغزوة. نحن نؤمن ان التشخيص هو نصف العلاج، لكن قادة الأمن يكتفون بهذا النصف ولا يقدمون علاجا يقلل اذى هذا الخصم اللدود.
قادة الأمن في العراق يقاتلون الإرهاب بعقلية القرون الوسطى، حين كان للكثرة دور فعال في حسم المعارك، فهم يظنون ان جهاز امني تعداده مليون فردا لا بد ان يقهر العدو [= الإرهاب]. أنهم لا يدرون أننا في القرن الواحد والعشرين، وأننا بأشد الحاجة لعقول خلاقة تستخدم التكنولوجيا الحديثة في إدارة حربنا مع الإرهاب.
أما الأمر الهام الآخر فهو «الجهة الحاضنة»، فإرهابيي «القاعدة» ينعمون بحضانة ممتازة في ساحة العمليات التي تمتد من نينوى إلى البصرة. فمن نفذوا «غزوة العدل» لم يهبطوا مباشرة من السماء على مبنى الوزارة، بل هناك من جهزهم بالمعلومات الفنية والأسلحة والمتفجرات وأوصلهم إلى باب الوزارة. والذين فعلوا هذا هم عراقيون مِنـّا وفينا، هؤلاء اشد خطورة بكثير من الانتحاري التائه بلا توجيه، فبدونهم لا يعدو الانتحاري عن ذبابة هائمة بلا هدف. ان التفاوض مع «الجهة الحاضنة» يتطلب إرادة حكومية شجاعة تسعى حثيثا نحو الوصول إلى مشتركات وتفاهمات واقعية معها.
ليس الثرثار الفارغ سعيد اللافي وأمثاله من يحتضنون الإرهاب ويحضّون عليه، ولا اولئك الذين يتفاوض معهم عامر حسان الخزاعي، وزير المصالحة الوطنية، بل هم اناس اخرون، ربما بعضهم قابعون في السجن أو في دول مجاورة تستطيع سلطاتها التأثير عليهم بشكل مباشر.
ان خطوة الحكومة في تحسين رواتب مقاتلي «قوات الصحوة» وإقرار حقوقهم قانونيا تعد خطوة في الاتجاه الصحيح، فهؤلاء خير من يعرفون كيف يقاتلون الارهابيين في مناطقهم.
هل يعقل ان تكرار العمليات الارهابية الكبرى وتصاعد وتيرتها، لا يكفيان لإقناع الاستاذ نوري المالكي، القائد العام للقوات المسلحة، بأن هناك خلل كبير في اداء قادة الأمن، ولو في واحد منهم فقط، فيعزله أو يبعده عن موقعه ويكلف ضابطا آخر.
صحيح ان زخم الإرهاب الكبير في العراق يجعل هكذا تدبير نوعا من الترف أو الخبل، فلو ان «المالكي» يستبدل كل آمر أو قائد حدث في قاطع عملياته عمل ارهابي، لكان عليه ان يستبدل عشرات القادة والآمرين شهريا (أو اسبوعيا). فحين نشاهد اخبار المساء المحلية، يبدو الأمر وكأننا في معركة حربية؛ فقائمة الضحايا طويلة ومريرة، فهم يتساقطون بسبب الانتحاريين والعبوات الناسفة واللاصقة والأسلحة الكاتمة والاعتداء المسلح المباشر في وضح النهار، والقائمة تطول. ولكن لا بد من تغيير جذري في الصف الاول والثاني لقادة الأمن.
انني اصر على ان علتنا تكمن في العقول، فقادة اذكياء وحاذقين في اختصاصهم، وكوادر مدربة وملتزمة، كفيلان بترجيح كفتنا في حربنا ضد قوى الظلام والتدمير، على ان لا نغفل «الجهة الحاضنة».
ملاحظة:
• عنوان المقال مأخوذ من اغنية للمطربة فيروز «كتبنا وما كتبنا، ويا خسارة ما كتبنا».
• لمزيد من التفاصيل عن «الجهة الحاضنة»، اقترح قراءة مقال بعنوان: «الانتحاري والجهة الحاضنة والفتوى» لكاتب هذه السطور على الرابط ادناه:
http://anahabobi.blogspot.se/2013/03/blog-post_6817.html