لستُ لبنانياً بل عراقياً
ولكني بعيون دامعة وقلب مُنعَصِر وضمير يقطر دماً أكتب أمتابِعاً أخبار بلدكم الذي أحببتُه منذ الستينيّات ولحد يومنا الراهن، وكنتُ معجباً به وبشعبه وجمال وِهادِه وروعة جبالِه وزرق سمائِه وصفاء بحرِه وعذوبة أنهارِه وروعة طقسِه وخصوبة أرضِه، حتى جَثَمَ على صدور مواطنيه ساسة أنانيّون ومتطرّفون وتسلّط على كراسيّ حكمه سُرّاق فاسدون ومُفسِدون ولصوص لا يعرفون سوى قصورهم وأرصدتهم وملياراتهم، فأقحموه في حرب أهلية لم تُبقِ ولم تَذَر سوى أسافِل القوم من المُنحَطّين الذين إستَرطَبوا وأخذتهم نشوة إمتلاك الملايين من أموال الشعب والسحت الحرام، وإرتموا في أحضان مَن بَرهَنَ التأريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصِر أنهم ((إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أَعِزّة قومِها أذِلّةً)).
تعاقبت العقود وشُكِّلَت الوزارات وحمل الوزراء حقائبهم الهزيلة وإبتلعُوا الأخضر مع اليابس وسرقوا وما زالوا لم يشبعوا، وإرتبطوا بهذا وذاك وفتحوا أبواب “لبنان” وحدوده المُصانة على مصراعَيه لتتحكّم فيه هذه الدولة الجارة التي مهّدت بدورها لتدخّل الأبعد ثم الأبعد، فلم يَجنِ اللبنانيون من ورائهم سوى الفقر والحرمان والبطالة وسيولاً من الدِماء والأجساد، حتى وقعت الكارثة العظمى مساء (الثلاثاء- 4/آغسطس/2020) بإنفلاق مُريع يعادل 7،22% من قنبلة “هيروشيما”.
وعِوَضاً عن الإنتحار المُفتَرَض والمُشَرِّف لمن ينعتون أنفسهم بـ((قادة لبنان))، فإن هؤلاء الـ((؟؟؟؟؟؟)) سارعوا يُدافعون عن شخوهم ويقذفون باللوائم على من سبقوهم، تحت شمّاعة أنهم -قبل أشهر فقط- تبوّأوا الحكم وورثوا دولة شبه منهارة وإقتصاداً في الحضيض وليرة لبنانية مُصَفّرة وجيشاً متهرِّئاً وقوات أمنية مُجزّأة بين هذا الطرف أو ذاك، وفصائل مسلّحة ومدعومة تتحكّم بالبلاد وتفرض آراءَها على مؤسسات الدولة من رأس هَرَمِها إلى أسفل حضيضها.
ورغم البعض من مصداقيّة الذرائع، ولو على مضض، وكون الذين سبقوهم يتحمّلون أوزاراً عظيمة بقذفهم الحبل على الغارب طيلة أعوام مديدة، فإن هذه الطروحات الساذجة للحكومة الراهنة وبالأخص ما يتعلّق بالنكبة الأخيرة، لا تكفي لتبرئة ساحتها بالمُطلَق، فهُم وأسلافُهم مجرِمون تسبّبوا في مصرع العشرات وفقدان المئات وتهرّؤ الألوف وتَشَرُّدِ مئات الآلاف وإنهيار الآلاف من المنازل وتضرّر الألوف ومحو لؤلؤة البحر البحر المتوسّط ورِئَتَي “لبنان” ومنفذه البحري الرئيس مع العالم.
والآن لنختصر الموضوع:-
فإذا كان سبب الكارثة صاروخاً أو مَقذوفة مُسَيَّرة دقيقة أطلقتها جهة معادية وأصابت الخزين الهائل بواقع (2750) طناً من نترات الأمونيوم، ولم تستطع حكومة “بيروت” التصدي لها وإعتراضَها بدفاعاتها الأرضية وإسقاطها قبل بلوغ هدفها، فذلك إخفاق وإهمال في تطوير إمكانات الجيش اللبناني إبتغاء تحقيق الأمن القومي والوطني، فتلك مُصيبة.
وإذا كان وراء الإنفجار المُرعِب لهذا الخزين الهائل من المتفجرات أو المواد القابلة للإنفجار، والتي خُبِّئَت -عَمْداً أو غير عَمْد- منذ عام (2014) لغاية خبيثة أو لأخرى ولم تَعلَم بها هذه الحكومة ومن سبقتها أو تُعلَمَ بها، ولم تُقَدِّر خطورتها، ولم تَقدِم على إِبعادِها إلى موقع مُحَصَّن ناءٍ بعيداً عن الأهلين ومساكنهم، فالمُصيبة أنكى.
أو أن أحزاباً فاسدة للنخاع وفصائل مسلّحة تفتخر بمقاومتها للكيان الصهيوني وتزعم أنها ستحرّر “القدس”، وتتحكّم في أمور الدولة وتُسَيِّر مؤسساتها حسب توجيهات وأوامر تأتيهم من الخارج، وقد فرضت وصايتها على (2750) طناً من نترات الأمونيوم منذ (6) سنوات ولم تُبالِ حكومة “بيروت” بها أو غضَّت الطرف عنها، أو خشيت من سطوة قادتها العملاء، أو أن وزراء “لبنان” إرتشوا -كعادتهم- وإلتزموا الصمت ولصوا أفواههم، فالمصيبة أعظم.
نحن ندري أن نتائج التحقيق التي يُفترَض أن تٌعلَن في غضون أيام ستحتوي -كما العادة في معظم دول العرب، وبالأخص المُرتمية في أحضان الأجانب- ديباجة هزيلة لا يُقنِع أدنى الناس تواضعاً، وستلقي مجاميع من التُهَم القانونية على رقاب كبوش فداء مُمَثَّلِين بعدد من صغار الموظفين العاملين في عنابر الميناء تحت ذريعة الإهمال غير المُتعَمّد، ولكن من دون أن يستجلب المحققون أي من رؤساء الكتل والأحزاب وكبار مسؤولي الدولة وقادة الميليشيات المسلّحة، وكأن عشرات الآلاف من الصَرعى والمُصابين والجرحى والمُشرّدين ليسوا سوى أشباه خِراف يُذبَحون قرابين تحت الأقدام متى شاء الحُكّام النازلون هدية من السماء… وذلك ما يحدث 100% وأكثر لدى عدد من دول العرب الخاضعة لأجانب معروفين، ومنها وطني العراق.
وعلى أية حال، فلو كنتُ صاحب قرار في “لبنان” العزيز على قلوبنا، لجَلَبتُ “ميشال سليمان” الرئيس حتى أواسط (2014) وبصحبته الجنرال الخَضوع “ميشيل عون” يرافقهما رؤساء الحكومات “تمام سلام، سعدالدين الحريري، حَسّان دياب” ووزراؤهم المتسلسلين منذ (2014-2020)، وكل رؤساء أركان الجيش وجهاز المخابرات والإستخبارات والأمن العام والشرطة وكبار مسؤول الميناء ودوائره الأمنية للفترة ذاتها، لأضعهم في قفص وسط الميناء المُدَمَّر، ولا حاجة لمحاكمتهم لوضوح الجُرم، بل أدعو عوائل شهداء الكارثة ليُعَلّقوا أولئك المجرمين بحق “لبنان” على المشانق بأيديهم، قبل أن أقذفهُم طُعماً للكلاب السائبة والجائعة، رغم كون هذا الإجراء العنيف يعتبر ضئيلاً بحقّهم ولا يشفي غليل الثكالى والمكلومين والأرامل وأولادهم.
كل ذلك قبل أن أدعو مجلس الأمن الدولي للتدخل فوراً، ليعتبر “لبنان” منطقة كوارث ذات دولة وحكومات ومؤسسات فاشلة وفاسدة يجب وضعه تحت الوصاية الدولية لعدة سنوات، وأترجى منه نشر قوات دولية تغلق الحدود مع الجوار وتنزع سلاح الميليشيات وتعتقل قادتهم وتطرد الأجانب غير الشرعيين، حتى تعود المياه إلى مجاريها، ويعود “لبنان” دولة ذات سيادة غير مخترقة مُتنَعِّمَة بالأمن والأمان والإحترام.