17 نوفمبر، 2024 8:37 م
Search
Close this search box.

يا أيها العراق العظيم ، أبناؤك يذبحوك

يا أيها العراق العظيم ، أبناؤك يذبحوك

مع إنطلاق الرصاصة الاولى لتحرك القطعات العسكرية العراقية صوب تحرير مدينة الموصل الحدباء ، العزيزة على قلوب العراقيين جميعا ، والتي تمتلك حضورا كبيرا في قلوب الناس من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ، بمكانتها التاريخية والحضارية ، وبقصصها و قفشاتها الفكاهية ، أو بأكلاتها المشهورة التي يتمنى كل عراقي تذوقها في أصل موطنها ، تابعنا بأهتمام محطات التلفزة الفضائية ، وهي تغطي سير العمليات العسكرية في جميع قواطعها ، والتي تخللها استضافة الضيوف من العسكريين والمحللين السياسيين والخبراء ، الذين باتوا وبفضل هذه القنوات سلعة رخيصة لكل القنوات ، لأنهم كمن يضع عدة فناجين في ( صينية ) واحدة وما عليك سوى تدويرها لكي يتغير المكان ويبقى الفنجان نفسه دون تغيير . ولأنهم أحترفوا المهنة وشربوها ، باتوا يغردون بنفس التوجه الذي تريده هذه القناة او تلك ، وبالطبع فإن ( الاجر على قد المشقة ) .
وقد حرصنا منذ البداية على متابعة القنوات الغير عراقية بحثا عن الحيادية والمصداقية ، لكننا وللأسف الشديد لاحظنا بان الاعلاميين العراقيين والخبراء العسكريين والمحللين قد حفظوا الدرس جيدا قبل الظهور على الشاشة ، والمتابع يمكنه ملاحظة ذلك منذ الوهلة الاولى ، فإنهم يساهمون وبشكل مباشر في الترويج لعملية تحرير الموصل ، وكأنها حرب شيعية سنية ، وليس حربا لإثبات وجود العراق بكل مكوناته ، وإثارة المخاوف والرعب لدى الناس من نتائج هذه العملية العسكرية ، وكأنها دعوة لمقاومة محاولات تحرير المدينة ، والدفاع عن نوايا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، و تبرير نواياه الخبيثة ومخططاته في العراق بعد التحرير ، حتى أن مساندة العراقيين لأردوغان ، هو أكبر من المحللين السياسيين والاعلاميين الأتراك أنفسهم ، إضافة الى تقديم نصائح مجانية للمجاميع الارهابية لتفادي هذه العملية بأسلوب عسكري بحت ، والتقليل من قدرات الحكومة ومساعيها الى جمع اللحمة العراقية بعد أن شهدت خلال السنوات الاخيرة حالة من الضياع والتي نجمت عنها تطورات دراماتيكية نتيجة أخطاء قد تكون أحيانا مقصودة ، نتيجة قلة الوعي والادراك ، أو قلة الخبرة في إدارة شؤون البلاد بهذا الحجم مثل العراق بتنوعه الجغرافي والاجتماعي والديني .
أنا لا ألوم هذه القنوات التلفازية ، لأن كل واحدة منها لها أجندتها في العراق وبالتالي فإنها تخدم مصالحها بالدررجة الأساس ، ومن الطبيعي إن أحدى مصالحها هي رغبتها الكبيرة في عدم رؤية عراق قوي وموحد ، ولا يعجبها حال العراق ، فهم أنفسهم الذين حشدوا الحشود من عشرات الدول ، وصرفوا مئات المليارات من الدولارات لإسقاط صدام حسين ، وهم اليوم ايضا من يحشد الان ضد القيادة العراقية ، لإبقاء العراق في دوامة الحرب الاهلية وإثارة الفتن الطائفية والعرقية ، لكن الغريب فيها ، هو أنها تمارس حملاتها ضد العراق ، بأيادي عراقية وبأمتياز، فإنها تتسابق على استضافاتهم في مدن عربية أو أجنبية ليدلوا بدلوهم وكما اسلفنا بنفس المنهج الذي تريده ،وكأنهم حفظوا الدرس عن
ظهر قلب ، فنراهم تبادلون القنوات ، لكنهم موحدين في طروحاتهم وتحاليلهم ، دون أن تقوم هذه القنوات بإستضافة أحد من مواطنيها ، وكأن لسان حالها يقول يأيها العراق العظيم ( ابناؤك يذبحوك ) .
هذه ليست المرة الاولى التي لاحظنا فيها تسابق العراقيين للظهور في هذه القنوات ، فهذا يدلل على أن المبالغ الخيالية التي تدفعها هذه القنوات لهؤلاء الذين في المقابل يبيعون ضميرهم واللهث وراء ، إستعراض تقارير و مغالطات عدة ، وكذبا إعلاميا أنكشفت دوافعه منذ اللحظة الاولى الذي بدأ فيها العراق التصدي للجماعات الارهابية سواء في ديالى أوصلاح الدين أوالانبار .
وفي الوقت الذي لايمكن نكران وجود بعض التجاوزات الفردية هنا وهناك ، إلا إن هذه القنوات التي تمتلك ماكينة إعلامية ضخمة وتنفق عليها مليارات الدولارات ، سخرت أدواتها بشكل كبير للتقليل من هذه الانجازات من خلال أختلاق وقائع واحداث مفبركة لتكون مادة دسمة للعب على الوتر الطائفي وإثارته ، وبلسان عراقي مستخفة بعقول هؤلاء المرابطين في القنوات أولا ، الذين يمارسون طريقة طرح للإحداث تجعل المتلقي أكثر اشمئزازا من واقع الاعلام والصحافة أولا ، ومن واقع ما يسمى بالحريات الصحفية .
ولأن المشهد مزعج بكل تفاصيله، والوصول إلى الحقيقة ليس سهلا ولأن هذه القنوات قدمت لنا تلالاً من العسل بداخلها أكوام من السم يتناولها الملتقي كولائم دون أن يشعر بالسم الموضوع بداخلها عن طريق جنودها من المحللين ، حتى أصابنا بعمى الألوان وبات من الصعب للكثير من المتلقين التمييز بين خيط أبيض وخيط أسود ، لأن كم الضيوف والتقارير التي كانت ومازالت تبث لم تترك لهم مجالاً للتفكير بعقلانية ، فهذه الحالة والوجبات الإعلامية التي تقدم تهدف إلى إتلاف عقل المواطن العراقي أولا والعربي ثانيا وإقناعه بهدفها الخفي غير المعلن لسياسة القناة،
إن الموضوعية الاعلامية حلمٌ ما يزال بعيد المنال. فالتلاعب بالاخبار والآراء، وان كانت تتشارك فيه كل الانظمة السياسية، البدائية والمتقدمة، اليمينية واليسارية، القديمة والحديثة، لا يقتصر فقط على الشأن السياسيّ، وان كان هذا أبرز وجوهه.

أحدث المقالات