7 أبريل، 2024 5:10 م
Search
Close this search box.

يا آل الصباح .. يا يهود الأمة لاصبّحكم الله بخير- ح ( 3 )

Facebook
Twitter
LinkedIn

نعود الى موضوع الكويت بعد هذا الاستطراد ، إذ تشير دائرة المعارف الاسلامية طبعة سنة 1960 والصادرة عن جامعة ليدن في هولندا – وهي أهم مركز للدراسات الاسلامية في أوربا – ان فرع ال الصباح دخل في عراك مع غيره من فروع العتوب وعنزة ، وكان أن جرى طرده من نجد وملاحقته خارجها ، فرحل بخيامه ومواشيه الى الشمال الى منطقة ام قصر في العراق ، وعاد من هناك يواصل الغارة على القوافل مما دعا الحاكم في ذلك الوقت باسم الوالي في بغداد الممثل للخليفة العثماني في استانبول الى طرد ال الصباح من ام قصر بسبب شكاوي الفلاحين . وكان الرحيل من ام قصر امرا حتميا لا بد منه ، ولكن هؤلاء الذين رحلوا لم يستطيعوا العودة الى نجد بسبب الثأر القديم هناك ، فما كان منهم إلا ان توقفوا في منتصف الطريق بين البصرة ونجد .

لكن من أين جائت كلمة كويت ؟

كان العراق ايام الخلافة الاسلامية العثمانية عراقا بنفس اسمه الحالي ، وكانت أهم الولايات فيه بغداد والموصل والبصرة ، كانت بغداد مقر الوالي العثماني ، الذي كانت مسؤوليته تمتد الى البصرة والى ما بعد البصرة وما وراءها جنوبا الى ما يعرف حاليا بالخليج العربي ، بل الى حيث تستطيع قوته أن تمد سلطاتها في عمق الصحارى ، ولم يكن باقيا في هذه الصحارى الا بعض قبائل نجد التي تصل الى الشواطيء بين الحين والاخر لتبادل منتجاتها مع التجار والصيادين الذين أنشأوا مراكز تجمع صغيرة عند نقاط متباعدة على شطآن الخليج تزورهم فيها أحيانا سفن قادمة من بحر العرب عبر مضيق هرمز تحمل اليهم البضائع كالأقشمة والتوابل .

في ذلك الوقت ، كانت هناك منطقة صغيرة تعتبر ميناءً طبيعيا واسعا على رأس الخليج وكانت من توابع ميناء البصرة العراقي ، واستخدمت في بعض الاوقات بديلا له ، وقام بجوار هذا الميناء مركز سكاني صغير بني فيه حصنا أطلق عليه اسم الكويت تصغيرا لكلمة (الكوت) وهي تعني الحصن او نقطة المراقبة للدفاع…… إذن من هنا جاءت كلمة ومسمى الكويت.

كان قدر الناس المتواجدين في هذا المركز السكاني الصغير وجلهم من التجار أن يتركوا عائلاتهم هناك وان يذهبوا الى البحر على متن السفن إما للتجارة اولصيد السمك واستخراج اللؤلؤ، وفي ظل ظروف غياب الرجال عن بيوتهم فإن عوائل المسافرين كان لابد لها من وجود من يحميها من قطاع الطرق واللصوص .

فوجد تجار هذا المركز السكاني الذي اسمه الكويت أن ال الصباح ، الذين لجأوا اليهم هاربين من نجد بسبب العراك والثارات القديمة ، والمطرودين من والي بغداد بسبب الاغارة على قوافل الطرق ، والذين أثبتوا للسكان فيما بعد انهم اقلعوا عن مهاجمة القوافل وبدأو حياة مستقيمة نوعا ما وصارت بينهم وبين الأهالي مصاهرة ونسب ، أنهم خير من يقوم بدور الحماية للاهالي في ظل غياب الرجال ، وكان أن تم الاتفاق والتراضي معهم ، اجر مقابل حماية.

إذا هي لم تكن اسرة حاكمة بالمعنى المعروف للاسر الحاكمة ، وانما أختيرت لهذه المهمة مقابل جزء معلوم من أرباح التجارة وكأمر واقع فرض نفسه في ظل غياب حارس حقيقي يحمي العوائل في غياب أربابها لاسيما وان قوات والي

البصرة كان هدفها الرئيسي أمور عسكرية خاصة بالولاية وليست حراسات شخصية ، صحيح تعتبر هذه الأراضي تابعة له وللوالي في بغداد تلقائيا وللخليفة العثماني بالضرورة ، إلا أن الأمر يختلف هنا ، فألاجر على حماية عوائل وليس حماية بلد .

واذا أردنا أن نحول هذ الكلام الى لغة العصر الحالي ، فالعملية مثل اسئتجار شركات الحراسة الخاصة.. ففي السابق وفي ظل ذلك الوضع ، كان هناك بدو يحملون البنادق البدائية ويركبون الجمال أو الخيل ، وفي عصرنا الحالي هذا….. هناك حراس يرتدون البذلات الانيقة ، ويضعون النظارات السوداء ، ويحملون الرشاشات الاوتوماتيكية وأجهزة الاتصال الحديثة والهواتف المتحركة…. ويركبون سيارات الدفع الرباعي .

( يمكن تشبيه وضع عائلة الصباح في الكويت بوضع الاشراف الهاشميين في الحجاز، كانت لهم سلطة دينية فقط وليست سلطة دولة ، مع الفرق ان هؤلاء سلطتهم مستمدة من النسب الذي يرتبطون به أما أولئك فوضعهم في الكويت كان وضع الحارس ، استمدوا سلطتهم من هذا المسمى ) .

اذن هي تحت حراسة ال الصباح وليس حكم آل الصباح ، فالحكم للوالي (كانوا يطلق عليه لقب الباشا ايضا) في بغداد الذي يعتبر ممثلا للخليفة العثماني . وهذا هو الكلام الحق ، واي كلام آخر عن ان اسرتنا حكمت منذ عام 1756 واننا صدينا معركة الجهراء وما الى هذا من خزعبلات وترهات ، فكلها بالواقع تزوير وكذب ودجل ليس له من اصل الا ما صدر عن صاحبه نفسه .. ” تذكر ماقاله أحد المؤرخين والذي أشرت إليه قبل قليل ” ..

تعاقب شيوخ ال الصباح على ادارة قوة الحماية في الكويتى، وكان الشيخ السادس منهم قد توفى تاركا ثلاثة أبناء هم محمد – جراح – مبارك ، وقد اختلفوا فيما بينهم على ارث ابيهم ، واتفق اثنان منهم هما محمد وجراح واختلفوا مع الثالث وهو مبارك ، وتصاعد الخلاف بينهم على قائمة حساب تحوي عشرين ليرة عثمانية وسيف معطوب يتكلف اصلاحه تسع ليرات ، وذلك حسبما يروي نقيب أشراف البصرة الشريف خلف باشا النقيب ( بالمناسبة عائلة النقيب في البصرة تعود اليه ولا زالت تحتفظ بالشجرة الموصلة اليه) وهذه الرواية سمعها منه الشيخ عبد العزيز الرشيد عمدة المؤرخين التقليديين في الخليج ، رواها في كتابه ( تاريخ الكويت ).

واحتدم الخلاف بين الاخوة بمشادة كلامية على قائمة الحساب تلك ، ثم انتهى الى أن أحد الاخوين المتفقين وهو جراح دخل الى سوق الجزارين في الكويت وصاح مناديا أصحاب الدكاكين : إياكم أن تعطوا مبارك شيئا ، فقد تبين أنه مفلس وعليه ديونا عظيمة .

وحسبما يذكر الشيخ عبد العزيز الرشيد في نفس الكتاب في الصفحة 119( بعد هذا الحادث صمم مبارك على التضحية بأخويه على مذبح الغضب والانتقام وعلى هتك حرمتهما وقطع رحمهما واسالة دمائهما الطاهرة ) ويصل الشيخ عبد العزيز لوصف عملية الذبح في نفس الكتاب فيقول : في ليلة من ليالي ذي القعدة المظلمة سنة 1313 للهجرة (1896 ميلادية ) بعد أن مضى هزيع من الليل وبعد أن هجع القوم ، نهض مبارك مسرعا فقتل أخويه محمد وجراح يسانده ابناه جابر وسالم ، ولفيف من الخدم ، وجعل من كان معه اقساما ثلاثة : هو لأخيه محمد ، وجابر وبعض الخدام لأخيه جراح ، وابنه سالم وبعض الخدام حرسا في صحن الدار.

صعد مبارك الى محمد فأيقظه من النوم ، وبعد أن انتبه أطلق عليه البندقيه ولكنها لم تجهز عليه ، فاستغاث الاخ بأخيه وذكره بما له من الحق والحرمة ، فما وجد ذلك الصوت المحزن ولا ذلك الاستعطاف الحار سبيلا الى قلب مبارك الذي امتلأ حقدا وغضبا ، فصوب اليه البندقية متصامما عن سماع النداء حتى تركه بلا حراك يتخبط بدمه ويجود بنفسه العزيزة.

أما جابر فقد ذهب الى عمه جراح في حينه فألفاه يقظا وزوجته بجانبه فسدد البندقية اليه ولكنها لم تنطلق ، فعاجله

عمه بالقبض عليه وكان ان ساعدته زوجته في الأمر وكادا يتغلبان عليه لولامبادرة أحد الخدم الى مساعدة جابر بتصويب بندقيته الى نحر العم فأرداه صريعا ، ووقفت زوجته تبكي وتنوح وتندب عليه.

ونصب مبارك نفسه حاكما على الكويت بينما كان أهلها في حالة ضجيج وعويل لهذه المصيبة التي لم يحدث لها مثيلا ، والمفارقة التي تدعو للسخرية والاستهزاء ان هؤلاء القوم ، يطلقون حاليا على مبارك هذا لقب اسد الجزيرة ، واسبغوا عليه من الاوصاف والنعوت ما لم يسبغها ابوتمام على المعتصم في تدوين موقعة عمورية الخالدة وقالوا فيه ما لم يقله ابونواس في الخمرة والنساء !!!!

فذهب بعض أهالي الكويت بعد هذه الجريمة الى البصرة (لاحظوا الى اين ذهب الاهالي … الى البصرة….) يشتكون الى السلطات هناك ما وقع في مدينتهم ، وكذلك فعل الشيخ مبارك الصباح ، الذي أراد من هذا الذهاب أن يطمئن والي البصرة ومن ورائه باشا (والي) بغداد إلى أنه مقيم على العهد وسيبقى على ولائه للوالي وللباشا وللخليفة ولن يخلف العهد ، وكان جل طموحه ان يثبته الخليفة العثماني في موقعه ويعينه قائممقام على الكويت ، على أن يكون هذا بتوصية من والي البصرة ثم باشا بغداد الذي بدوره سيرفع أمره للخليفة في استانبول .

قبل أن نسهب بالكلام ، لابد من التذكير أنه لجأ الى والي البصرة أيضا مع من لجأ أبناء وزوجات الشيوخ القتلى ، وقد ظلت عائلاتهم هناك حتى سمح لبعضهم بالعودة بعد عشرات السنين على مرور تلك الجريمة ، وكان من بين العائدين علي خليفة الصباح الذي تسلم منصب وزير المالية الكويتي ثم وزير النفط أثناء مقدمات أزمة الخليج. والذي عاش سني عمره في بغداد والبصرة ، درس فيها وتخرج في جامعاتها.

لكن بريطانيا (الدولة الاستعمارية الخبيثة وسبب بلاء العرب والاسلام) لم تكن على استعداد لأن يحزم الخليفة العثماني أمره بتعيين مبارك الصباح قائم مقام أولا يعينه ، فيقر ما جرى ويقبل بالواقع ويعين مبارك او يسجنه على الجريمة التي اقترفها ، فظهر الكولونيل البريطاني المعتمد في الخليج ليوقع معاهـدة حمايـة للشـيخ مبــارك ضـد مـن يحاول المســاس بــه أو الاعتــداء عليه ، وكانت هــذه المعاهـدة قد أبرمت بتـاريـخ 23/1/1899وقد ورد ذكرها في مجموعة وثائق وزارة المستعمرات البريطانية عن الكويت ، وبدأت المعاهدة على النحو التالي :

الحمد لله وحده – بسم الله تعالى شأنه

الغرض من تحرير هذا السند الملزم والقانوني هو أنه قد تم التعهد والاتفاق بين المقدم مالكومجون ميد حامل وسام الصليب الامبريالي ، المقيم السياسي لصاحب الجلالة البريطانية في الخليج (الفارسي) نيابة عن الحكومة البريطانية من ناحية ، والشيخ مبارك بن الشيخ صباح شيخ الكويت من ناحية ثانية ، بأن الشيخ المذكور مبارك بن الشيخ صباح قد ألزم نفسه هنا بإرادته ورغبته الحرة وورثته ممن يخلفه ألا يستقبل وكيل أو ممثل أي قوة أو حكومة في الكويت أو أي مكان أخر ضمن حدود أراضيه دون الموافقة المسبقة للحكومة البريطانية ، كما يلزم نفسه أيضا وورثته ومن يخلفه بأن لا يتنازل أو يبيع أو يؤجر أو يرهن أو يعطي لغرض الاحتلال أو لأي غرض آخر أي جزء من أراضيه لحكومة أو رعايا أي دولة أخرى دون الموافقة المسبقة لحكومة صاحب الجلالة. ويشمل هذا الاتفاق أيضا أي جزء من أراضي الشيخ المذكور مبارك ، التي قد تكون في حوزة رعايا أي حكومة في الوقت الحاضر.

وتعبيرا عن ابرام هذا السند الملزم والقانوني ، وقع الطرفان المقدم مالكون جون ميد حامل وسام الصليب الامبريالي والمقيم السياسي لصاحب الجلالة البريطانية في الخليج (الفارسي) والشيخ مبارك بن الشيخ صباح ، الاول نيابة عن الحكومة البريطانية ، والثاني نيابة عن نفسه وعن ورثته ومن يخلفه ، أمام الشهود بتاريخ العاشر من رمضان عام 1316 الموافق للثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير 1899

توقيع ————————– توقيع

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب