23 ديسمبر، 2024 12:00 م

يامن تنتمي لأمّةً “ضحكت من جهلها الأمم”

يامن تنتمي لأمّةً “ضحكت من جهلها الأمم”

حجر ابن عديّ صحابي جليل عند المسلمين تلك حقيقة لا يختلف عليها اثنان من المسلمين شيعيّ كان أم سنّي أم زملكاوي .. كما إنّه من ضمن الّذين تقع فيهم الآية الكريمة “رضي الله عنهم ورضوا عنه” بحسب ما أتذكّر إن كان من “المهاجرين” أو “الأنصار” كونها نزلت فيهما “أي في المهاجرون والأنصار” قبل 1430 سنة تقريباً ؛ سنة تنطح سنة .. وحجر هذا كان .. وكان فعل ماضي لا تصريف لعملته الآن مثلما لم تصرّف عملة أصحاب الكهف ولم يمض عليهم ثلاثمائة سنة .. فحجر كان بطلاً من أبطال أيّام زمان أيّام ما كان للدرهم “يَدَّه” عندما كان النمر “سادة” لم يتخطّط جلده بعد .. وحجر رضي الله عنه لا ولن يعود يوماً للحياة حتّى لو بكينا عليه الدهر كلله وحتّى ولو صرفنا على البكاء عليه كل موجودات العالم من مخازن الكلينكس والخاوليّات والمناديل والجراجف ولن ينفعنا بشيء في دنيانا هذه بحجم يمرق من خرم إبرة ؛ ولن نراه ولن يرانا إطلاقاً حتّى ولو امتلكنا نحن وهو رضي الله عنه كاميرا ديجيتال من مائة ترليون بكسل تضرب على نفسها بأضعاف مضاعفة من سرمديّة “البكسلات” إلى يوم القيامة لا يحصاها إلاّ ربّ العزّة فلن يرانا ابن عديّ هذا ولن نراه .. حتّى وإن متنا فلن نره أيضاً حتّى ينقر الناقور وأشكّ أيضاً نراه بعد النقر “لأنّ لكلّ امرئ منهم يومئذ شئنُ يغنيه” .. كما وإنّ جسده المزعوم نقله لجهة ما هي دعاية إعلاميّة أميركيّة شيطانيّة تؤدّي نفس الغرض الّذي أنيط لرسّام الكاريكاتير الدانماركي وما أحدثه من ضجّة كانت تصبّ في ما يعرف اليوم بـ”الجهاد” بتحريك العامل الديني في النفوس المنفعلة كلّما خفتت وتيرتها برسوم أو بفلم سيمائيّاً مسيئ للنبيّ أو ادّعاء ظهور معجزة “شجرة تدمع ثلجاً” أو إعلان 25 عالم غربي دخولهم الإسلام دفعةً واحدة بسبب من “معجزة نصّ قرآني قرأوه !!!” أو “العذراء تبكي على أحد جدران كنيسة في الموصل ؛ أو شتيمة لرسولنا الأكرم من بابا أو من قسّ مغمور؛ لأنّ لا يوجد جسد في القبر أصلاً ولا يحزنون .. هل من المعقول أنّ جسداً سليماً منذ عشرات القرون ! .. ثمّ هل  جسد ابن عديّ هذا هو كجسد فرعون “آيةً” للناس لا زال رطباً كما تزعم الأخبار المتداولة نقلاً عن أنباء غربيّة ! .. أيّة جسد وأيّة رطوبة ! .. هل تفلّتت عقول الناس من جماجمها إلى هذا الحدّ .. هل نسي الناس وبعض “المثقّفون” منهم أنّ الله لا يكذب ولن يكذّب نفسه بما أقرّ بنصّ قرآنه “ولن تجد لسنّة الله تبديلاً ولن تجد لسنّة الله تحويلاً” .. فلا القمر انشقّ ولا الشمس عادت ليكمل عليّاً صلاته ولا علم عمر بجيش “سارية” المحاصر فنبّهه من وراء مئات الأميال ولن يقفز الحسين ع من بين إحدى فتحات الشبّاك الإيراني ليستقرّ على ظهر الحصان خلف “حفيده” المهدي ولن يكون هنالك شيء من هذه الخزعبلات الّتي تئنّ منها العقول وتضحك أميركا وتضحك الكويت على ( أصحاب الحضارات ) ..

لنتخيّل عزيزي القارئ الكريم أنّ قبور وأضرحة ومقامات وشواخص الصالحون الأنبياء والرسل “أكثر من مائة ألف نبيّ ورسول من بعد نوح ولغاية نبينا!” وأضرحة وقبور أقارب الأنبياء والرسل وقبور وأضرحة زوجاتهم وأضرحة وقبور بناتهم وقبور وأضرحة أحفادهم وأضرحة وقبور صحابتهم وأضرحة وقبور معصوميهم .. جميعها جميعها .. وكذا قبور وأضرحة ومقامات وشواخص ورثة الأنبياء والرسل “العلماء !” أهل العمائم يعني , وكذا ورثة من ورث عنهم .. وهكذا دواليك … هل هذا معقول ! ..

جميعها .. قبور وأضرحة ومقامات وشواخص لو بقيت لم تندثر لغاية اليوم مضافاً الى أعدادها المهولة قبور وأضرحة ومقامات ما بعد النبيّ وقبور ومقامات ما سيكونون في المستقبلين المنظور منه أو البعيد .. كيف سيكون وضع المتديّنون مع هذا الكمّ الهائل من الأضرحة والقبور والمقامات فيما لو لم تدرسها سنن الكون ! ؟ .. كيف سيوازنون جدول زياراتهم “الواجبة” مع كسب لقمة عيشهم وسط التزاماتهم لهذه الشواخص الّتي لا تحصى .. وكم يوم في السنة يمكن ان تكفي لتلك الزيارات ! .. هل سنغيّر السنة مثلاً لنجعل عدد أيّامها بعدد الأضرحة والقبور والمقامات كلّها عطل وأحزان وأعياد “نصف مليون يوم للسنة الواحدة بدل 365 يوماً مثلاً” يعني نصف مليون قبر وضريح على أقلّ تقدير ! .. وكيف ندخل الزمن ببعضه لتكفي الفرد المتديّن الواحد لزيارتها جميعاً في عمره القصير إزاء هذا الكمّ الهائل من الالتزامات ! هل نستورد أجهزة عبور الزمن بدل أجهزة كشف المتفجّرات الرائع والبديع الّذي ساهم بتوسيع مقابر وأضرحة العراقيين إلى مساحات ضوئيّة ! .. وهنالك مناسبات مرّ بها كلّ صاحب مقام أو ضريح يستوجب أن يُحتفل بها حزناً أم فرحاً .. فلا بّد من “خبز المعمدان” و”خبز العبّاس” وابتسامة القعقاع وضحكة الزهرة وركضة امثارونيج “الماراثون” وركضة طويريج وحرق خيم روما ونومة الكهف وأربعينيّة أصحاب الأخدود ومردّ راس زكريّا و”بسطة نوح” وجرح أيّوب الخ الخ .. هي هكذا ستكون لمن أراد العدل والمساواة بين الجميع ! .. أكيد سيكون شيء مثل هذا خارج منطق العقل لعالم لا يطاق ولا يصلح حتّى للمجانين وكأنّه عالم بدون دفن موتى أو تفسّخ لجثث لنتخيّل كيف سيكون .. عالم مفترض منطقيّاً ودعاوى “معاقبة” من يهدم القبر أو الضريح ورفع أوراقه لمفتي الديار “المتّحدة” ! .. نعم هناك دعوات لرفع دعاوي للأمم المتّحدة ضدّ كلّ من هدم قبراً أو ضريحاً أو مقاماً على امتداد التاريخ ! .. يعني ؛ ولأنّنا , ولأجل ما اعتقدنا بمثابة مسلّمة طيلة أجيال قبل أن تميل بنا الوقائع عكس ذلك فنكتشف أنّنا مخدوعون نتوارث ذلك أجيالاً كعوق فكري متوارث وليس بدني فقط ولكنّنا نكابر ولا نتنازل أمام الوقائع نحاول بدلاً عن ذلك “حشر الفيل في جرّة صغيرة” ولو بالقوّة !  ..

 ترى كم من الأضرحة والقبور هدمت بمعارك مرّت على العالم وكم هي أرقام أعدادها الّتي لا تحصى دُرِست بمعاول وجرّافات الدول , رسميّاً , وبينها حتماً رجالاً أعدادهم بالآلاف خارج إحصاءات ذوو الشأن الديني من الصالحين مدفونون ! .. هل نراجع ملفات بلديات العالم منذ تشكّلت أولى “البلديّات” من أولى الدول أو الامبراطوريّات منذ فجر التاريخ ولغاية بلديّات اليوم ونعاقب فاعليها ! ..

اتّخاذ القبور والأضرحة مزارات وتبرّك ليست خاصّة بـ”المسلمين” وحدهم كما يتصوّر البعض أو ينسى نفسه فيطرح اللا معقول لإرضاء أجساد بلا عقول سوى شوارب مفتولة بإمكان أيّ من يمتلك خبرة متواضعة بالخلافات الدينيّة العبث بها طائفيّاً فيشعلها حرباً بين المسلمين متى شاء .. هل مثل هذه نسمّيها عقول مستوعبة للإسلام ! .. القرآن أسماهم “أعجاز نخل خاوية” .. جميع هذه الرموز “أضرحة وقبور وشواخص رموز” تشغل حيّزاً مهمّاً من اهتمامات شعوب كثيرة في هذا العالم .. ودُرِست قبور لصالحين لا حصر لها واعتبروا ذلك الأمر من عوادي الزمن وسنّة من سنن الحياة تجري على سائر أجساد البشر وباقي الحيوانات والمخلوقات والكواكب والنجوم والبناء والعمران فيحيلها الزمن تراباً .. بل ومن الشعوب من ابتكر طرقاً في تصريف موتاها وعلى الخصوص “الصالحين” والقادة منهم حيث الجميع سواسية ولا مكان لسادة “من نسل أهل بيت” مميزون ! فصنعوا طقوساً تدعوا لحرق جثثهم بدل دفنها كيّ “يتخلّص من عذاب النار ولن يبقى بذمّته سوى دخول الجنّة !” أوّلاً ؛ وليوفّروا أراضِ زراعيّة لسدّ رمق قطعان بشريّة بامتداد الأفق ثانياً..

قامت الدنيا ولم تقعد حين هدم بعض الجهلة بالفنون والتاريخ والدين والعلاقة المشتركة بينها ؛ تمثالي بوذا العملاقين في أفغانستان واعتبر الفاعلون جناة وجب مثولهم أمام القضاء .. الأمم المتّحدة لم تهتمّ  بمجازر عديدة وقعت بشعوب كثيرة في العالم أحرقوا أو دفنوا وهم أحياء ولم تتأثّر هذه الجمعيّة المتّحدة بالشكل الكافي كما تأثّرت بهدم هاذين التمثالين .. و”الشيعة” لم يهتمّوا بمجازر تفوق مأساة الحسين بمسافات وبعمق إنساني غائر في الضمائر أكثر بكثير من مأساة الحسين ولم تر عقول بعض منهم سوى مأساة الحسين .. فبغضّ النظر عن التقييم في الترجيح ما بين أثر إنساني يخلّد الإنجاز البشري وبين مقتل فاعل الإنجاز , فإنّ العالم لن يبقى تتراصف في متغيّراته كلّ ما نهوى أن يبقى بينما نحن لا مانع لدينا أن نموت وتنمحي ذكرانا من الدنيا ونهين أنفسنا ونذلّها نستعبدها للغير بدعاوى شتّى لمجرّدّ أن نحتفظ بالعلاقة الاستعباديّة تسري مرّ الزمن متغطّية برداء الإسلام تخلّد علاقة “السيّد” ابن جدّ فلان وتابعه “ماذي” ..

و”ماذي” هذا يريد محاكمة جميع الّذين هدموا الأضرحة والقبور بما فيها محاكمة النبيّ إبراهيم , “هو لم يقلها نسيها ربّما ولكنّها هي هكذا ستكون دون أن يعلم” .. ابراهيم الّذي هدم تماثيل أثريّة جميلة يتوارثها الأجداد “باعتبارها تمثّل مدارس فنّيّة قديمة وحديثة” في وقتها ومنها من سبق عصره ! ..

و”محمّد” ! .. ألا تستوجب محاكمته هو الآخر “لأنّه اقتلع من جوف الكعبة أنصاباً وتماثيل لا تقدّر بثمن” بحسب أعراف الأمم المتّحدة وبحسب الأعراف الذوقيّة أيضاً والفنّيّة والأثريّة تمثّل مدارس فنّيّة مختلفة غائرة في القدم تصل جذورها لعهد النبيّ نوح في النحت وفي الرسوم لا تعوّض وتمثّل إرثاً حضاريّاً وسط وادي غير ذي زرع ولا ضرع هي هذه التماثيل البديعة فقط تمثّل أرشيف حضاري لمجتمع أمّي ومجتمع لا يقرأ ولا يكتب  لو تركت لغاية اليوم لفكّ عبرها رموز كثيرة في المسيرة الثقافيّة البشريّة في ذلك الجزء المقفر من العالم ! .. هَدَم الأولى صلّى الله عليه وسلّم “كي لا يُعاد عبادتها مرّة أخرى ما أن يموت وبذرائع شتّى” ؛ ومسح الثانية من على جدران جوف الكعبة كانت تمثّل ديناً محرّفاً نهى أتباعه من اتّباعه بعد أنّ أنزل على قلوبهم الإسلام حيث لا نصب ولا تماثيل ولا أضرحة ..

الموت سُنّة يعيش في جوف الحياة يفسح المجال لعيش مع كلّ مولود في هذه الدنيا يولد يريد أرضاً واسعة صالحة للعيش خالية ظاهرها من الجثث المحنّطة وليمت بعدها ويدفن طالما عاش محترماً كريماً لا منجرفاً أهوجاً يبذّر وقته في زمن فاته وفات أجداده ..

نحن لا نكتم حبّنا للفنون وولهنا بها فهي المؤشّر الحقيقي على ترجمة لغز الوجود .. وهذه الفنون هي وراء ما نعرفه من علم واسع اسمه علم الآثار .. ولكنّنا في نفس الوقت لا نتطرّف بها بعيداً عن هموم الناس ونكرّسها لموتى أدّوا ما عليهم ومضوا .. لنجعلها تسير على خطى الفنون الحديثة الّتي أغنت حياتنا بكلّ جميل وممتع ونافع وتركت تخليد الموتى وفظّت التصاقها بخدمة الدين بعد أنّ عبرت على الفنون هذه جميع الديانات ..