ليس بالأمر السهل وبهذه البساطة أن تُقدِم أي منظومة فكرية ذات البعد القومي على أن تعيد النظر في منهجها القائم, او تطرأ على قوانينها بعض التعديلات بشكل مفاجئ بذريعة مواكبة المتغيرات, خصوصا اذا كانت هذه التعديلات ستطال جزءا من ثوابت وجوهر هذا الفكر, لما لها من الأثر السلبي الذي قد يسهم في خلق صدمة سيتعرض لها المؤيدون او الأنصار فتكون سببا في انفضاضهم عنها, وان تم ذلك! حينها بوسعنا القول بأن هذا الحراك الفكري المنحل لن يعدوا عن كونه جملة من المفاهيم التي أوجدت حظها في الرواج ضمن ظروف استثنائية وهي بانتظار الزمن الذي سيتكفل بتوفير بدائل فكرية مغايرة تكون ذات أدوات أكثر حداثة ونجاح .
هذا التصور قد ينطبق على أي نظام من أنظمة الجوار الغير عربي والتي تنهج نهجا ذات نزعة قومية, ولكنني أراه اقرب أن ينسحب الى مثال أنظمة الحكم العربي, ولربما يشاطرني الكثيرين في أنها هي من ابرز من يتهددها خطر الزوال, بالرغم من احتلالها مساحة ليست بالقليلة تاريخيا وقد شارف على القرن من الزمن إلا أن هذا المبلغ لن يحول دون نهايتها المرتقبة.
وما كان ليدفعني والبقية لهذا التصور المشئوم ما هو إلا وفرة المعطيات الآنية التي تشير الى وجود رغبة دولية في اعادة رسم خارطة النفوذ الدولي في منطقة الشرق الاوسط مما سيتعارض والنهج السياسي والفكري لعموم الأنظمة العربية والتي لا تتقبل في ثوابتها المعهودة أي مرونة اتجاه سياسات العولمة بالرغم من تسلل البعض من مفاهيمها الى المجتمعات العربية, فكيف بهذه الأنظمة ان تتعايش مع المزيد من الشروط المرهقة والمذلة لإبقاءها على سدة الحكم؟ لذا او ليس الأحرى بهذه الأنظمة ان تجري مراجعة كبيرة لنهجها السابق, وأن ما سينعكس عليها في المستقبل ما هو الا نتائج لسياسات عرابيها و منظريها على مدى ما يسمى بمسيرة النضال القومي العربي, وان تناسوا ذلك سنسعف ذاكرتهم بأبرز ما جاءت به وهي كالتالي:
1- هل كان يعي القوميون العرب أن منذ انطلاقتهم من خط الشروع ” الثورة العربية الكبرى” الى غاية هذه اللحظة بأن كل منتجاتهم الفكرية كانت تحظى برعاية بريطانيا التي وهبت فلسطين للصهاينة ؟
2- هل أنتجت لنا الأنظمة القومية شكلا من اشكال الحكم النموذجي ذات طابع مدني حر في اختياراته السياسية ولو بالحد الأدنى بدليل واحد يقطع شكنا أنْ قام احد قادة انقلاباتها العسكرية بتسليم السلطة الى شعبه طوعا ؟
3- هل انتبه القوميون العرب الى حجم التخلف العلمي الذي لحق بشعوبهم بسبب عسكرتهم للمجتمعات بحجة تحصينها من الأفكار الغريبة والدخيله ؟
4- هل تداركت الانظمة العربية الى صعود وتنامي النفوذ الامريكي منذ مطلع الخمسينيات وحتى الساعة بأن توجد الحل في ان تستسلم لمشروع امريكا في دمقرطة المنطقة حقنا لدماء شعوبها أم في مواجهته من خلال التوجه الى الشرق الشيوعي والعمل بمشورته في الإيغال أكثر فأكثر في السطوة على الشعوب والتنكيل بها كي تحول دون نيلها لأنظمة حكم ديمقراطية ؟
5- هل تصورت الانظمة العربية الحاكمة ممن لم يطلها الربيع العربي” النادي الملكي”ان بإمكانها تعطيل مشروع أمريكا في العراق من خلال دعمها للجماعات الأرهابية وما تبقى من فلول حزب البعث او الأخوان لتشكل بهذا ورقة الضغط عليها ؟ وهل تناست بذلك أنها وفرت المسوغ والمبرر الذي دفع بالأمريكيين في خطة جديدة لعزل العراق عن محيطه العربي مستخدمةً حليفتها الجديدة ايران لتلعب دور الشريك معها وتساهم في استقرار العراق مستقبلا؟
6- هل أيقن القوميون العرب على مدى مسيرتهم الممتدة منذ مطلع الثورة العربية الكبرى وحتى الساعة انه لم يعدو عن كونهم أدوات كان يستخدمها الحاكم إما لغرض استنهاض الشعوب المغلوبة على امرها اثناء شنه للحروب الخارجية او في التحريض ضد معارضين الداخل و التي ما من شأنها سوى تقوية وسطوة الحاكم.
وبعد هذا الإيجاز, ففي هذه اللحظة قد يتبادر إلى ذهن القارئ هذا التساؤل, الا يوجد من بين القوميين من يستنصحون بمشورته لكي يقدر ويقيم لهم مجمل أدائهم ويدلهم الى جادة الصواب ؟ بالطبع لا يتوفر في صفوف كوادرهم سوى المطبل والمزمر لمشاريعهم ولا يرغبون عدا ذالك شخصا! والدليل, هو أنهم لازالوا يراهنون على جدوى المواجهه بالطرق التقليدية بتضليل المجتمع من خلال الكذب والخداع الذي لم يعد ينطلي على احد, ولدي الامل انهم سيتجرعون قريبا مرارة الوهن والضعف في إدارة بلدانهم, حينها لن تستشيرهم الشعوب في تقرير مصيرها بعد ان تصحو من غفلتها وتحزم أمرها ضدهم, وهذا هو الرد بالمثل, فما كان لهذه الأنظمة في الحكم من خير او شر تستشير به أحدا !
وآخر ما في وسعكم يا رعاة النزعة القومية ان استطعتم ذلك ! أن تعتصروا من صلبكم من يضاهي الفردوسي ليدون لكم “شهنامة” أمجادكم عسى أن تكون مرجعا يتذكركم بها من يخلفكم .