عندما اعلن عن تشكيل ” تقدم ” قلنا مع القائلين انها خطوة في الاتجاه الصحيح وشعرنا بالارتياح ان يكون للتيار المدني الديمقراطي اطارا او كتلة وعنوانا رئيسا يتوجه اليه المدنيون والاخرون للتعاون والتنسيق ، ورحبنا علنا في مقال بذلك ولكن حذرنا من التجربة المريرة في التحالفات التي تنعقد وتنفرط من دون ان يبرر لها تبريرا صحيحا ، واكدنا على ان بعض المتحالفين في الانتخابات السابقة ، تركوا التفاهمات وتمت الهرولة نحو الكتل الكبيرة طمعا في مقعد نيابي او منصب او حضوة لدى زعيم وقائد.
كان ذلك وما يزال شعورا باليأس من تحقيق انجاز ، رغم انه هناك اساس يبني عليه ويدعم ولا يهدم وله اربع مقاعد ، ولكن الاحزاب الصغيرة بعدها مشدودة لىصغرها العددي ولم تستثمرالفرص لامكانية نموها ،ناهيك عن ان ” الكبر”و”الصغر ” لا يقاس بالقيمة العددية . كما ان أزمة النظام السياسي في العراق انعكست على المشهد السياسي وجاءت ظاهرة التشتت لتعمق هذه الإشكاليات ،يضاف الى ذلك ان تحالف ” سائرون ” يفتقد لهوية واضحة رغم الشعار المدني المرفوع .
المفاجىء ان التيار المدني تبعثر الى اكثر من كتلة بمؤثرات من قوى متنفذة ، وهرول كل جزء فيه الى اتجاه ، صحيح ان بعضه لغاية الان محافظ على سياج بيته ولم يخترق من قوى الاسلام السياسي ولكنه تأخر ولم يدافع عن كيانه الوليد ” تقدم ” .. المهم الان تشكلت ” تمدن” و” التيار المدني الديمقراطي ” فيما ذهب الحزب الشيوعي واحزاب اخرى فرادى الى “سائرون “ولكن جميعا اسهموا في اضعاف التيار وشتتوا قواه ، وربما على هذا لن يحصدوا من تحالفاتهم هذه الاصوات المطلوبة ،غير انه نقول طوبى لمن اراد ان يكون للتيار المدني عنوانا معروفا ومستقلا سواء بتحالفه مع الاخرين او بقي لحاله ، المصيبة ان من يريد تعدي العتبة الانتخابية على امل ان العدد الذي حصل عليه في الانتخابات السابقة اذا حافظ عليه يمكنه من التأهل برعاية ومساندة قوة كبيرة ، ويتناسى ان قاعدته الجماهيرية المكتوية بممارسة الحليف لا يمكن ان توقع على ورقة بيضاء او في كل الاحوال والظروف يضمن اصواتها . احتمال وارد خسارة اصواتا مهمة من جمهوره ومناصريه ، بل ومن محازبيه نكاية بانحيازه الى قوى شمولية تؤمن بولاية الفقيه اعتقادا بوهم تشكيل “الكتلة التاريخية ” في مفهوم لن يكون احسن نهاية من “المصالحة التاريخية” التي اصبحت في خبر كان لان شروطها لم تنشأ بعد ، الى جانب الاشكالات والارتكابات المرتكبة ضد القوى الديمقراطية التي لم تدان لهذه اللحظة كي نقول انها توبة نصوحه .
فضلا ان ذلك انعش تعزيز موقف العزوف بين اوساط شعبنا من التوجه الى صناديق الاقتراع في رد فعل سلبية ومعاقبة للقوى السياسية على ادائها وخشية من تكرس في تحالفاتها الاوضاع الراهنة والخاسر الاكبر من هذا التيار المدني الذي لا يؤمن بصنمية قياداته .
رب قائل يقول ان هذه القوى تضم فئات محرومة وفقيرة وهي تنمو عدديا حسب الاحصاءات الرسمية يمثلها التيار الصدري ونشاطره في جزء منها او اننا نسعى لكسبها ، ولا ادري كم هذا دقيقا ، فجل هذا الجمهور من الباعة الذين يحصلون على دخلا ليس بقليل والحليف لن يبقى متفرجا اذا شعر ان المتحالفين يجردونه من ادواته ..
وبودي لفت الانتباه الى انه في الفترة الاخيرة لم تكن الاستجابة لدعوات التظاهر بذات الزخم خفت المشاركة وتقلصت من المليونية الى بضعة الاف ، ولم تنفع محاولات التحشيد بمختلف الوسائل .
وهنا نتساءل ان هذا الجمهور الذي نتحدث عنه مقسوم قسمة ضيزا ، جله على ما فطر عليه ولن نفلح في استمالته ، وتبعثر الضعيف يقرب من التهلكه ،وما نمى وتوسع في كمه لم نكسب من هذا الوسط الاجتماعي قدرا محسوسا او على الاقل يداني الحليف كي نكون طرفا مساويا في المعادلة .
ليس الحال في معسكر التبعثر والتشتت الاخر افضل منه في تجمعات التيار المدني ككل ، فلو قيض لهذه القوى ان تجري مساومات وتنازلات متبادلة فيما بينها لكانت كتلة يعتد بها ان دخلت مستقلة ، فانها ستكون في وضع اكثر راحة ، وان تفاوضت مع الائتلافات لكان لها وزنها وثقلها ، وربما تمكنت من الائتلاف مع التيارات الليبرالية والمنسلخين من احزابهم والمتوجهين الى المدنية قولا وفعلا .
لقد وقع المحذور ، للاسف ، لانه ما تزال عقد القيادة والزعامة والمكاسب الضيقة والتفكير بالنيابة عن الجمهور الواسع ،المنتميين وغير المنتميين ، والزعم بتمثيله هي السائدة في تصرفات واساليب عمل بعض القوى المدنية.
ومن الان اخذ بعضها يحمل البعض الاخر المسؤولية ويلقي عليه اللوم على هذا التشتت في المسرح السياسي في لجبهة القوى المدنية . وفي الواقع انها لم تتعظ من التجارب السابقة
وتختلط لديها الطموحات الشخصية بالعامة والمنفعة الذاتية والوطنية ، وان ادت الى خرق زوارق الانتقال الى وضع افضل لها .
واخيرا اذا فشلنا سوف لن تقوم لنا قائمة ، لذلك هناك وقت لاعادة نظر المدنيين باساليبهم
وادوات عملهم وتجميع جمهورهم الذي تبعثر من جديد وانتشاله من خيبة الامل التي نجمت عن تحالفاتهم والامر ليس سهلا … ولا اقصد تغيير اوضاعهم المعلنة لانه قد فات الاوان قانونا الا اذا حدثت تطورات دراماتيكية فعليهم القفز مما ركبوا سياسيا وتصويتيا .