أحسب جيدا اننا في وضع لا نحسد عليه ، تقودنا (دولة رواتب) بلا مهام أو انجازات منذ عشرة اعوام ، ولا أعرف كيف يتباهى اي عضو في البرلمان ، او السياسي بمنصبه في دولة فاشلة ، قطعة قرميد في بناء أيل للسقوط في اية لحظة ، وصار البلد (والفضل لهم) كتلة من الفشل والخراب والتخلف والمأسي والفساد .
اعتقدُ ان اسباب المأساة واضحة ، وكان يمكن علاجها ، بشيء من الاستقراء من قبل أي سياسي مبتدئ ، ولكن المسألة تتطلب عملا ، وهذا لا يتماشى مع سياسيينا الكسولين ، هذا اذا اردتُ انصافهم .
المسألة تتطلب معرفة ولو سطحية عن البنية الأجتماعية والأقتصادية للمجتمع العراقي ، ولكن كيف يعالجها الجهلة ، والقادمون من المنتجعات التي يسمّونها منافي !.
الامر الاول :يجزم علماء الاجتماع ، ان البنية الأولية ، والأكثر أهمية لبناء دولة رصينة هو البيت ، وبالذات ، المرأة والطفل ، ولهذا أولتْ الدول (الاخرى) ولا أقول المتقدمة لأنها من المسلّمات ، أهتماما بالغا بالعائلة بأعتبارها اما مصدرا للبناء والرقي ، او مصدرا لمتاعب لا تنتهي للدولة .
يولد الانسان خاما ، ولأبويه الخيار ، اما ان يصقلانه الى جوهرة ذات بريق أخّاذ ، او حصاة صماء لا تفيد الا في شجّ الرؤوس !.
وعندما يبصر الطفل النور ، فان اول ما يشاهده ، امه ، المرأة ، كتلة عطاء لا تنتهي ، فيبني اعتقاده وتوجهه على هذا الأساس .
فكيف ان كانت هذه المرأة حائرة ، خائفة ، مرتبكة ، لأنها لا تملك قوتها ،وفوقها سقف متصدّع يتوعدها دوما بالسقوط ؟ ، وزوج تتأكله الهموم بسبب ضيق ذات يده وشعوره بالعجز، وستكون الزوجة امام ضغط مضاعف ، لأنها وببساطة عراقية اصيلة ،هو ان تهوّن على زوجها ، وان تلبي طلبات ولدها ، وهي بلا شك ، المحروم الأول ، ولكم ان تتصوروا نشأة هكذا طفل !.
كان النظام السابق ، يرفع شعارات تخص المرأة والطفل والشاب ، معظم تلك الشعارات لم تر نور التنفيذ ، كانت مخصصة للاستهلاك فقط ، شأن توجهات كل الأنظمة الشمولية ، وكلنا يعلم ، ان هذه الشعارات عبارة عن كلمات حق يراد بها باطل ، وجائت الحكومة ، لتنسف كل تلك الشعارات ، الغث منها والسمين ، لتصل الى ما نحن عليه ، بأقصر طريق ، دون شعارات ، بل دون مقدمات ، وبالتالي دون أفعال !.
رغم ذلك ، كانت هنالك مراكز الرعاية العلمية والأجتماعية والمنتديات الرياضية ، وكانت المكتبات العامة مشرعة الابواب أمام الجميع ، وكانت هناك دار نشر خاص بالطفل .
كنا في السبعينات في المرحلة المتوسطة ، وكنا نتشارك لدفع اجور الدخول الى السينما بعد الدوام ، لرؤية فلم في سينما (سمير أميس) ، لمشاهدة الأفلام الرصينة الراقية ، وفي الصباح ، كنا نبدي رأينا بالحوار ، والأخراج ، والموسيقى التصويرية وحتى حركة الكاميرا ، كنا نعرف (جيفارا) ، و( تشايكوفيسكي) ، و(هيمنغواي) و(لينين) و(مظفر النواب) و(سيد قطب) ! ، كل ذلك في ايام المتوسطة ، وانظر الى حال شبابنا اليوم ، ولا الق ِ عليهم باي لوم .
ولو ان حكومتنا الموقرة ، اهتمت منذ عشرة اعوام بالمرأة والطفل ، وبشريحة الفقراءلكان لدينا ألأن شبابا طموحا مسؤولا ،مبدئيا ،محصّنا ضد كل أمراض العصر ، ولات حين مناص .
نعلم جيدا ان الحكومة لا تمتلك عصا سحرية ، فضلا عن العصا الخشبية !، بالاحرى انها لا تمتلك لا عصا ولا جزرة !،ونعلم ان الرعية اذا كان ينخر بها التخلف والفقر والفوضى والجريمة ، سيكون اصلاحها امرا عسيرا ولكن ليس مستحيلا ، ولكن كل تلك الأمراض اهملتها الحكومة منذ عقد من الزمان ، فماذا نرجو سوى ان تتفاقم؟
الأمر الثاني : البطالة ، نعلم جيدا ان ليس من مسؤولية الدولة ، توظيف كل من يتخرج من الجامعة ، ولكن ، بدلا من ذلك ،توضّفذووالشهاداتالمزوّرةومن الفاشلين وغير الكفوئين منالأحبابوالأقاربوالخلّان!، وتركوا جيشا من الخريجين وأصحاب الكفاأت ، يتعرضون الى شتى انواع الابتزاز من أجل توظيفهم برشىً تصل الى راتب سنة كاملة! .
من اساسيات عمل الدولة دعم ورعاية القطاع الخاص ، لأستيعاب الخريجين ، وكل الباحثين عن عمل ، لتنمية وانعاش الحرف والصناعات المحلية ، ولجعل ذلك ممكنا ، عليها فرض قيود جمركية على كل ما هو مستورد ، ينافس صناعتنا ، وستنتعش تلقائيا ، بدل الأهمال ، وترك الحبل على الغارب ،فأغرُقت السوق بكل ما هو مستورَد لأرضاء التجار !، بالاحرى لمداراة سطوتهم ، وأنهارت لدينا كل الحرف والصناعات المحلية ، بل وبدلا من ذلك ، وجدت الحكومة نفسها في مأزق بسبب سوء التخطيط ، واستجارت من الرمضاء بالنار ، وها هي تتجه الى خصخصة الصناعات الكبيرة كالكهرباء ، لتدار من قبل رجال أعمال لا هم لهم سوى الكسب.
البطالة تعني الفقر ، والانحطاط ، وموت المواطنة ، والانخراط في الارهاب ، فهل يوجد شيء اكثر رعبا من هذا؟.
صارت لدينا وزارة للمرأة ، وها هي المرأة العراقية تعيش في أحلك الظروف ، وتدخل عصر محاكم التفتيش .
صارت لدينا وزارة للموارد المائية ، فجف نهرا دجلة والفرات .
صارت لدينا وزارة للبيئة ، فصار كل شيء ملوثا وأكل التصحر كل ما هو أخضر ، وزارة للزراعة ولكن بلا زرع .
الفقر،رأس كل بلاء ومصيبة،والا ما أقام الامام علي عليه الحد بالقتل قائلا : (لو كان الفقر رجلا ، لقتلته) ، ولعمري لا أحد يشك في عدالة هذا الرجل .