في القرن الثامن عشر كانت السلطة الفرنسية بعيدة تماما عن الجماهير التي إكتسحت سجن الباستيل وطردت الملك خلال الثورة الفرنسية .
ووسط هذا الهياج الجماهيري تساءلت ماري أنطوانيت زوجة الملك , وهي تطل من شرفة قصرها , لماذا هم غاضبون , فقالوا لها لعدم توفر الخبز فكان جوابها , “لماذا لا يأكلون الكيك إذا لم يتوفر الخبز”.
ومشت إلى المقصلة , وقبل أن تصل إليها عثرت فإعتذرت من الذي يجهزها لقطع رأسها , وربما كانت تحسب المقصلة لعبة , وهي لا تدري إلى أي مصير ستمضي.
وبين الدنانير والكيك والسياسة مسافة قد تطول وتقصر , وفقا للظروف القائمة في وقتها , والمتفاعلة مع المستجدات والقدرات والأحداث المتلاحقة على تلك البقعة , التي يختلط فيها الكيك والخبز , والدم والسياسة لصناعة ترجيديا الضياع والدمار البشري المقيت.
إن خلط هذه الركائز مع بعضها , بمحلول لا يحقق التجانس والتفاعل الطيب المفيد , يخلق المآسي ويبعث الأوجاع , ويدمّر الوجود الإجتماعي والحضاري لأية أمة , مهما كانت قوتها وقدرتها على الحياة.
الكيك أو الخبز يرمزان للوضع الاقتصادي المتردي , ومعاناة إبن الشعب في تحقيق حياته الآمنة السعيدة , حيث لا يجد عملا آمنا ولا مستقبلا زاهرا لأبنائه , وتراه في مأزق العناء المتنامي , والذي يصنع منه حالة غاضبة ومستعدة لإنفجار شديد وإنحرافٍ نكيد.
وعندما يجتمع الآلاف والملايين من هؤلاء في مجتمع ما , تتحقق الكارثة الكبرى والوجع الحضاري المروع الثقيل.
أما الدنانير فهي الوسيلة الوحيدة التي تلجأ إليها السلطة للَقم بعض الأفواه وتحقيق أكبر مصلحة لها بدوامها.
وهذه المجموعة ستكون مقاومة للمجموعة الكبيرة الجائعة , والتي تئن تحت وطأة الضنك الإقتصادي والتردي المعاشي , وضياع أسباب الخدمات الطيبة والمعيشة الآمنة.
وبهذا تتحقق معادلة التفاعل الدموي , ويتأزم الصراع ما بين أبناء الشعب الواحد , وتحصل القلاقل ويغيب الأمن , وتشيع الجريمة والتفاعل السلبي ما بين السلطة والشعب , ويكون الصراع داميا وبشعا ومروعا في نتائجه وإتجاهاته.
إن معادلة التفاعل ما بين شعب جائع غير آمن وحائر بسبب الوضع المعيشي السيئ , وبين أناس تسيّدوا بالدنانير وفرَضوا القوة والسيطرة على الآخرين , لها نتائجها الوخيمة على جميع العناصر الداخلة فيها.
هذا التفاعل المتحقق تحت نار السلطة , التي لا ترتبط بالناس وتراهم من بعيد , ومن خلف الحواجز وعبر وسائل الإعلام , ينتج الوضع الذي يمكنه أن يتواصل في تفاقمه الدامي والخطير , حتى ليقضي على الأطراف الداخلة في العملية الجارية على أرض ذلك المجتمع أو الشعب.
إنها أخطر معادلة تفاعل يمر بها شعب من الشعوب , ودائما تفضي إلى إنهيار السلطة لكي تستعيد المعادلة الجماهيرية توازناتها , وقدرتها على الإستمرار بأقل الخسائر الممكنة.
إن الشعب الذي تجري عليه هكذا محنة يحب أن ينظر للأمور بمنظار آخر , لكي يحمي وجوده ويحقق بقاءه الصحيح على أرضه , ولتتواصل أجياله وتتفاعل بإيجابية وأمل وتفاؤل.
ولا يمكن الإستمرار في تنمية التفاعل وتغذية أطرافه , لأنه سيأتي بنتائج عكسية , وسيدفع إلى التفكير بمنطق الخبز والكيك أو البسكت.
ولكي نجد مخرجا ونرى أملا , لا بد من الوثوب إلى الأمام والخروج من المنغلق التدميري , الذي يصيب الأطراف كلها بمقتل أكيد.
وأول خطوة تكون بأن يتوفير الأمل, وهذا يتحقق بإيجاد فرص للعمل تزيد على عدد السكان وتغرز فيهم الإندفاع نحو العمل , الذي يصنع تطورا إقتصاديا وإجتماعيا لائقا , وفرصا متساوية يَسعَد بها مَن ينالها.
وأن نتخلص من عقلية رجال السلطة , وأن لا تُضَخ الأموال بجيوبهم إلى حد التخمة والتجبر والتطاول على الآخرين , ومنع التحزب والسياسات الفردية العمياء , والإبتعاد عن الطائفية والعنصرية , ومنع الإعلام الطائفي والمذهبي , الذي يؤثر سلبيا على آراء وتوجهات الناس , والتقليل من ظهور رجال الدين في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء, وأن تكون نشاطاتهم في أماكن عملهم الدينية كالمسجد والحسينية , وغيرها من بيوت الله.
كما يتوجب الإبتعاد عن مظاهر التسلح المليشياتي , الذي يفرض الكثير من دواعي القلق , ويؤجج الصراع بين الناس , ويدفع إلى حالة من الشك وعدم الثقة بالسلطة , ومن الضروري التأكيد على مركزية الفعل والقرار , والقضاء على التسيب وما يتسبب فيه من ضعف في الأمان وغياب للمسؤولية , وعدم إحترام الوطن وحقوق المواطن.
بهذا فقط يمكن لشعب من الشعوب أن يخرج من معادلة التفاعل الدامي في بودقة الوطن , وتحت حرارة ضغط السلطة وغيرها من القوى الفاعلة في المجتمع , والتي تتصور بأنها تتجه نحو تحقيق مصالحها القصيرة الأمد , وتنسى أنها تضع مصيرها على حافة الهاوية والخطر.
وإلا سيبقى الناس يحلمون بأكل الكيك , والخبز عندهم أشبه بالسراب , والماء ممزوج بالدماء والأسى!!
فهل من شجاعٍ عزوم؟!!