كنت كثيراً ما أنتقده،أُعظم العقبات أمام هدفه،لأنني كنت مؤمن وقتها،بأن البلد خلف باب مسدود،يتدحرج ببطء نحو الهاوية.الصراحة لم أعد أثق بالحكومة العراقية،أرى شبح مفسد،في كل ركن من زوياها المظلمة،والمخيفة بخيوط عناكب الفساد.
كان يقول لي بإبتسامة عريضة،”لكن الهدف أسمى! والغاية أكبر!” ولعل المحاولة أفضل من الجلوس،على كرسي الأصابع البنفسجية،أقلها أرضيت ضميري،وأسكت هواجسي،في إنتشال مدينتي من التهميش الأزلي! وحضها العاثر مع الحكومات السابقة.
يجمع فتات من بقايا بعض المسؤولين،يستنجد بكل شيء أمامه،يراه يخدمه بالوصول للهدف.
رأيته ذات مرة وقد أحاط من حوله رجال “كلدانيون”بواقع (250) مسيحي يتقدمهم الأب الروحي ( نائب الأمين العام للطائفة الكلدانية في العالم)!،وهم يسعون الى الحج المسيحي!والقداس في مدينة أور الأثرية في ذي قار،كان يماشيهم والبسمة لا تفارق شفتي ذلك الشاب المغامر،ولا ينقطع حديثه مع كبارهم ورؤساهم،ظناً منه بأنهم بادرة الأمل،التي منها ينطلق الى مبتغاه.
صادفني بعدها مبتسماَ بوجهي،أحس بما داخلي من كلام منتقد قانط،قطع الطريق علي قائلا:(إن ما يدفعني على ما أقوم به،لإكمال الطريق هو حب شيء أسمه الوطن،وحتى تعرف الناس أننا أبناء بلد،وليس أبناء منصب).
أحسست من خلاله كلامه،إن بداخله بركان يلتهب بحب وطنه،وقلب بحجم السفينة،التي إحتضنت نوح وأصحابه من الطوفان، وحتى إن لم يحقق غايته، لكنه إنتصر لأهله ووطنه.
وأنا اتلقى نبأ العرس الجنوبي،من قاعة المؤتمر في إسطنبول،بإدراج الأهوار تراثاً عالمياَ،جال في خاطري ذلك الشاب!الذي كان له الدور الأبرز بالعرس،إرتسمت في مخيلتي إبتساماته،وإسترجعت بذهني كلماته،لم تكن فرحتي لمدينتي والأهوار وتراثنا فقط، فرحت كثيراً لذلك الشاب،صاحب الإنجاز والغاية والهدف.
(سعد محسن جواي البدري)،من مواليد مدينة الشطرة،لعام (1981)م،حصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية،لينتخب بعدها عضواً في مجلس محافظة ذي قار،عن ( تجمع الأمل) كتلة المواطن،الضالعة تحت تيار شهيد المحراب،وبصفة” نائب رئيس لجنة السياحة والآثار”
أحسست وقتها،إن الأهوار كسبت رهان الحرب المعلنة ضدها،وأحست الأهوار ان لها جنوداً تنتصر من حيث لا تدري،لا نريد أن نستهلك هذا الإنجاز ونجيره بكفه “البدري” فقط،مع الجزم بوجود غيره،ولكنه كان الشراع الذي يسير الجميع،الشيء العجيب والذي لفت نظري بالرغم،من عظمة الإنجاز الذي حققه هذا الشاب الطموح للوطن،إلا إنه جعل نفسه بعيداً عن الإعلام،حال تحقق النصر،وعندما سألته عن السبب قال:”دعوهم يفرحوا ويحتفلوا كيف ما شاءوا،حتى وإن سرقوا إنجازنا،إننا حققنا ذلك للعراق والشعب، ليس ليقال حققوه هم، بل ليقال إنتصرت الأهوار أخيراً.
يتكلمون عن حرب البسوس،بين “بني وائل وربيعة”أكلت وأزهقت الأرواح لأربعون سنة، ويتناسون حرباً أزهقت النسل,والحرث,والطير,والطبيعة،لـ (4000)سنة،وجاء اليوم الذي ثأرت الأهوار لنفسها،من تغطرس حكومات خلت،نعم ثأرت الأهوار من الحكومات السابقة،ثأرت لـ (5000) سنة من عمرها المنسي،ثأرت لـشعب سومري!إجبر على ترك تراثه وموروثه الثقافي،ثأرت للطيور المهاجرة بلا عودة،ثأرت للحيوانات النافقة من العطش والحرب والدمار،ثأرت لشيء إسمه حضارة،ثأرت لتاريخ مغيب تحت التهميش والتجفيف والترحيل.
مؤتمر “منظمة اليونسكو العالمي”الذي أقيم في تركيا،إستطاع المؤتمرون من خلاله التوصل،إلى تحقيق حلم ذلك الشاب الريفي السومري،واستجمعوا قواهم وأرائهم بالوقوف مع برعم نبتة جهوده الحثيثة،ليخرجوا من قاعة المؤتمر،بنتاج شجرة!تضفي ظلالها وثمرها على الشعب،نُشِرَ فوقها العلم العراقي،وأذعنت الدول المصوتة والمعترضة على عدة مخرجات من أبرزها:-
• حماية الطيور المهاجرة والنادرة،والعمل على تكاثرها،بتوفير بيئة مناسبة.
• زيادة التنوع الأحيائي لأنواع الطيور والأسماك،التي لا توجد في مناطق العالم.
• خلق فرص عمل للسكان المحليين،عند تطوير المنطقة بالاستثمار.
• إيصال خدمات التعليم والأمن والطاقة،الى تلك المناطق حال إستثمارها.
• لا يسمح لأي دولة،التلاعب بمناسيب المياه في الأهوار جنوب العراق وبتعهد أممي.
• لا يسمح للحكومة العراقية تجفيف الأهوار تحت أي عذر.
• لا يسمح دولياً بأي نزاعات عسكرية في تلك المناطق،حفاظاً على سلامة ما فيها.
• لا يسمح للصيد الجائر في تلك المناطق.
• إزدياد أعداد السواح الأجانب،مما يعطي دوراً ريادي لتلك المناطق .
وختاماً نقول؛إنتصر”الشروكيين”لحضارتهم،وإعترف العالم بأن”الشروكي”بداية حضارة!وأصل تأريخي! وتراث أممي سالف!ووقعت الدول العالمية على هذا،وبقي على الحكومة العراقية،أن تكون بموقع المسؤولية من ذلك المؤتمر والإعتراف،وأن تضفي أثراً وطابعا على استيراد التاريخ لمكائن الحاضر،وتصدير منتج عالمي، يجذب العالم! ويلفت نظره! لوجود شعب بعمر الصخور! وفكر بعراقة الأثار,والتراث,والتأريخ.