23 ديسمبر، 2024 8:13 ص

ويبقى في النفس غبن ومأزم

ويبقى في النفس غبن ومأزم

“ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم”.
“ماك ثورنبيري”عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي “الكونكرس”هو من فرض شروطا لتخصيص مساعدات عسكرية أمريكية للعراق بقيمة “715 مليون دولار”من ميزانية الدفاع لعام 2016 عند تمرير مشروع القرار المتعلق بالتسليح في العراق، على أن يذهب 25 في المئة منه مباشرة إلى قوات البيشمركة والقوات السنية.

واشترط القرار صرف الـ75 في المئة المتبقية بعد أن تقدم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية المصالحة الوطنية، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك، يذهب 60 في المئة من المبلغ المتبقي للقوات الكردية والسنية.
-وأن من يقرأ ديباجة القرار الأمريكي ولم يكن على اطلاع واسع بما يجري في العراق من أحداث، يخيل له أن”شيعة العراق”هم”داعش”-.

وكان مشروع القانون قد أثار جدلا واسعا في العراق على المستوى المجتمعي الوطني الشعبي بمختلف شرائحه وعلى المستويين الرسميين التشريعي والتنفيذي.

وكان للحوزة العلمية الرشيدة في النجف الاشرف -باعتبارها المرجعية العليا- الدور الأكبر برفض المشروع الأمريكي وإستنكاره، ذلك لأن هذا القرار ينتهك سيادة العراق ويستغفل أبناء شعبه، بتفتيت وحدته، وانتهاك إرادته ومصادرة تطلعاته، وتجزئة ترابه، فالمرجعية الدينية العليا المتمثلة بآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني”أعلى الله مقامه الشريف”، أعلنت رفضها للقرار الأخير الذي صوّت عليه مجلس النواب الأمريكي والذي يسمح بتقديم المساعدات العسكرية إلى بعض المناطق في العراق من غير طريق الحكومة المنتخبة.وقال ممثل المرجع السيستاني الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من يوم 12 من رجب الأصب 1436هج الموافق 1 .5. 2015م ما نصه :
” لقد تم التأكيد أكثر من مرة على أن المساعدات الخارجية التي تقدم إلى العراقيين في حربهم ضد الإرهاب وسعيهم لتخليص أراضيهم من عصابات ‘داعش’ يجب أن لا تمس في حال من الأحوال سيادة العراق ووحدة شعبه وأرضه”.

وأضاف:”ومن هنا فإنه لا يمكن القبول بالقرار الأخير الذي صوّت عليه مجلس النواب الأمريكي والذي يسمح بتقديم المساعدات العسكرية إلى بعض المناطق في العراق من غير طريق الحكومة المنتخبة، ويفترض بالقوى السياسية العراقية أن يكون لها موقف واضح في رفض هذا الأسلوب في التعامل مع الشعب العراقي”.

وعلى المستوى الحكومي رفض السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي مشروع القانون، واعتبره مقدمة لمزيد من الانقسامات.

اما على المستوى التشريعي، فقد أصدر مجلس النواب قرار استنكار ورفض، من جلسة بتراء تشم منها رائحة الفرقة والاختلاف وعدم التوافق والاتفاق، وقد صدر القرار رغم كل هذا بالرغم من انسحابات الأعضاء السنة والاكراد من الجلسة المخصصة لهذا المشكل.
ومرر القرار بعد مزيد من الاختلافات كما اسلفنا وعدم الانسجام التام بين الكتل والأعضاء، فعندما انسحب أعضاء التحالف الكردستاني -الاكراد- واتحاد القوى-السنة- من الجلسة على خلفية مقترح قرار من التحالف الوطني الذي ينص على رفض القرار الامريكي جملة وتفصيلا، صار هناك فراغ ملأ من قبل كتلة التحالف الوطني التي تعد الكتلة الأكبر في مجلس النواب وتحظى بالأغلبية، وبالرغم من كل الانسحابات صدر القرار بالاكثرية أي بالأغلبية السياسية التي يمثلها التحالف رغم انسحاب السنة والاكراد من تلك الجلسة التاريخية.

ولنقف قليلا على موضوع الانسحاب الأكثر شبها بالانسحابات السابقة لعلنا نجد سببا واحدا مبررا ومقنعا لهذا الانسحاب!!.
ونقول في هذه الوقفة بما هو أقرب للأسئلة والتساؤلات:
*هل حقق الانسحاب الهدف الذي انسحبت من أجله تلك الكتل، أي هل عرقل تمرير قرار الرفض؟
إذا لم يتحقق الهدف المنشود بالنسبة لهم على اعتبار أنهم اقلية، فلم اذن الانسحاب؟
وفي هذه الحالة لايسمى الانسحاب انسحابا مالم يحقق أهدافه، بل يسمى شذوذا أو مروقا أو هروبا أو تآمرا أو تواطؤا أو عزوفا وهلمجر!!.

*هل ان المنسحبين يستطيعون القول بأنهم الرابحون وانهم بصدد جني ثمار ربحهم هذا لإقناع جمهورهم إن كان لديهم جمهور وربح؟
أم ان الخسارة سيدفعها الناخب، والربح سيستأهله العضو لنفسه -ولو ان الربح عندهم يتجسد بالماديات والمكاسب الشخصية والمقتنيات التي يغتنمونها من خزينة الدولة والمصادر الأخرى، لا بالانجازات الوطنية والمكاسب الأجتماعية والسياسية والأمنية التي منوا بها ناخبيهم أثناء حملات الدعايات الانتخابية، ولا بالمواقف التاريخية الفذة الثرة الجبارة والتي ربما يخلدهم التاريخ من خلالها بالذكر الطيب والسيرة الصالحة العطرة الحسنة-؟
ولكن هيهات هيهات.

*عليهم إن استطاعوا وفي حالة الانسحاب هذه ان يقنعوا ناخبيهم وتاريخهم أن رفض القرار المؤدي لانسحابهم لايمس سيادة العراق ووحدته وكرامة شعبه وتطلعاته، وإن لم يستطيعوا فعليهم ان يتحملوا نتائج تصرفهم، ولايرموا بنتائج تآمرهم وفشلهم ومكرهم على الآخرين من مؤيديهم أو من خصومهم على حد سواء.

*هذا وقد كان للقوى السياسية العراقية التي انسحب ممثلوها من تحت قبة البرلمان ومقاطعة الجلسات موقفا واضحا في قبول قرار مجلس النواب الأميركي، وموقفا واضحا في رفض قرار مجلس النواب العراقي الرافض والمستنكر للقرار الأميركي، وفي هذا على الشعب العراقي ان يعي هذه الحقيقة ويؤشر في تراثه وذاكرته وتاريخه من هو بالضبط من وقف مع القرار الأميركي المسبب في تقسيم العراق وتفتيته ومن هو الذي وقف بالضد من هذا القرار؟؟
وعليهم ان يبتعدوا عن المزايدات الفارغة الخاوية، والوطنيات الرخيصة الهابطة، والوعود الكاذبة الزائفة، والمهاترات الوقحة الصفيقة، والاتهامات الصلفة الآفكة.

*ويبقى في النفس غبن ومأزم، لابد أن نفصح عنه ونقول:
إذا كانت علانية هؤلاء على هذه الشاكلة، فما هي إذن الشاكلة التي تقع عليها سريرتهم، وماهي الخطط التي تدور في أدمغتهم خلف الأستار والكواليس وفي الظلام، وعند الخلوة مع شياطينهم من الجن والإنس، للايقاع بالشيعة وإلحاق أكبرالضرر بهم والأذى بين صفوفهم؟

وبالنتيجة فهو هذا دأب الاعراب وديدنهم على مدى التاريخ، فهم مازالوا ويبقون أشد كفرا ونفاقا وغدرا وخيانة وجبنا وجهلا وعدوانا وأبعد الناس عن احترام العهود والوعود والمواثيق واحترام اقامة الحدود، وهم مصداق قوله تعالى:
“ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم”.

ثم ثبت ان البرلمان لم يكن ممثلا حقيقيا للشعب العراقي بعد هذه الجلسة لأنه حل نفسه بنفسه من خلال هذا الانسحاب المذل كما يعتقد أغلب الناس، ولأن جل نوابه صاروا لايمثلون أبناء أهل السنة بشكل واقعي بسبب احتلال معظم أراضيهم من قبل داعش وأصبح أهلها مشردين ونازحين، كما وصاروا -أي بعض النواب- كذلك ممثلين لأنفسهم ورعاة لمصالحهم الشخصية وأبواقا لأحزابهم وذيولا لأسيادهم، وثبت انهم مخلصون بإمتياز لأمرائهم القابعين عبر البحار والصحارى ولأجنداتهم ولطوائفهم ولبعض من حثالات مكوناتهم من اللاحسين لقصاعهم والسائرين على خطاهم والمنفذين لأوامرهم ومن الموالين لهم الولاء المطلق بعد تأجير عقولهم وبيع ضمائرهم للحد الذي لاتنفع معهم اليقظة ولا الإستبصار.

فعلى الشعب العراقي ان يقرر من الآن فصاعدا على أن هذا المجلس لايمثلهم باي حال من الأحوال وهو بحكم المنحل، وعلى الناس ان يؤسسوا لاقامة مظاهرات عارمة تهدف لحل الحكومة والبرلمان من الناحية العملية والمطالبة بإقامة انتخابات مبكرة يستبعد منها جميع المنسحبين، وإبدالهم بمرشحين جدد من النازحين لخوض الانتخابات، والدعوة مجددا لتشكيل حكومة أغلبية، وتبقى هذه الحكومة برئاسة السيد العبادي حكومة تصريف أعمال.

وعليكم أيها الساسة الكرام، ان تحترموا شعبكم وناخبيكم، وان تحترموا الاستحقاقات الانتخابية كما هي في صناديق الاقتراع، بعد أن فشلت حكومات الشراكة والمحاصصة والمسميات الأنبطاحية الاخرى فشلا ذريعا وحولت البلد إلى ركام وفيالق من ثكالى وأرامل ويتامى ومشردين ونازحين، ودولة مثقلة بالديون والهموم والفساد وانعدام تام للخدمات.

نلتمسكم أيها السادة أن تدعوا الأمور تأخذ نصابها الطبيعي في ادارة الحكم وفق الاستحقاقات الانتخابية الدستورية، اما يكفيكم اننا لدغنا من جحر ألف مرة لا مرة ولا مرتين، وأقسم لو أن الأغلبية كانت لغيركم ماأعطوكم منصب بواب في دائرة حكومية.

“قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعدالذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير”.

والله ولي التوفيق.