23 ديسمبر، 2024 9:09 ص

ويبقى الحكيم الشهيد الحي

ويبقى الحكيم الشهيد الحي

كثير من محاولات الإعتقال تعرض لها آية الله محمد باقر الحكيم، لوقوفه بوجه أعتى طاغية عرفه التأريخ، ففي عام 1972 أعتقل مع مجموعة من العلماء بسبب مواقفهم المعارضة لسياسة البعث، ومن ثم أطلق سراحهم، وبسبب دوره في إنتفاضة صفر التي إنفجرت لرفض النظام إقامة الشعائر الحسينية، أعتقل الحكيم وحكم عليه بالسجن المؤبد، لكن أطلق سراحه في عفو عام في 17 يوليو/ تموز 1978، ليمنع من السفر ويوضع تحت المراقبة السرية، لم تثنه هذه المحاولات عن مواصلة كفاحه السياسي .
في أوائل نيسان عام 1980، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق آية الله محمد باقر الصدر، بقاء الحكيم ومزاولته للعمل السياسي أصبح غير ممكن، في ظل فرض النظام البعثي سلطته بقبضة من حديد،  قرر السيد الحكيم أن يهاجر من بلده في أوائل تموز من العام ذاته، تمكن من المغادرة بشكل سري عن طريق إحدى الدول العربية المجاورة وصولا إلى سوريا، ومن ثم إلى إيران قبل شهرين ونصف من إندلاع الحرب بين إيران ونظام البعث .
إستطاع الحكيم مع بعض المعارضين تشكيل جبهة وطنية موحدة، معارضة لنظام صدام الديكتاتوري، شملت جميع فئات الشعب دون تمييز أو تفرقة، تميزت بتواجد مختلف التوجهات السياسية والدينية مؤتلفة تحت لواء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، شكل فيلق بدر  _ الذي كان يتكون من مجموعة أفواج قبل تشكيله _ الجناح العسكري للمجلس الأعلى في عام 1989، ليتبنى العمل الجهادي لإسقاط نظام صدام، وكما كان الحكيم يرى الكفاح المسلح خيارا إستراتيجيا وحيدا في التعامل مع  طغيان البعث، وبذلك تميز عن بقية الأحزاب والتيارات السياسية التي إنتهجت الحل السياسي فقط، والحكيم فقد نجح من المزاوجة بين السياسة والمقاومة بطريقة أضفت القوة لصالح قوى المعارضة العراقية .
سعى الحكيم طيلة تلك الفترة، لإيصال مظلومية الشعب العراقي إلى المجتمع الدولي، فكان في كل مناسبة يبعث برسائل ومذكرات إلى الأمم المتحدة وأمينها العام، ورؤساء البلاد العربية والإسلامية، مطالبهم في دفع الظلم عن الشعب العراقي ليفضح جرائم النظام دوليا، وفي عام 1992 تمكن من اللقاء بالأمين العام للأمم  المتحدة خافيير بيريز دي كويلار، وبهذا يعد السيد الحكيم أول عمامة شيعية تدخل أروقة الأمم المتحدة، مما يدل على نجاح الحكيم بجذب أنظار المجتمع الدولي إلى هذه الطائفة التي عانت وعلى مدى قرون من التهميش والإقصاء السياسي، وبهذا يمكن الحديث عن قفزة بالعمل السياسي للمجتمع الشيعي في العالم .
تلبية للواجب الوطني أوفد السيد الحكيم أخيه السيد عبد العزيز الحكيم، للمشاركة في مؤتمر لندن 14 _ 18 ديسمبر / كانون الأول 2002، الذي كلف بإدارة العملية السياسية لهذه اللجنة، تعد هذه المشاركة هي ضرورة المساهمة في أي جهد لإسقاط نظام صدام، والإشراف على مخرجات هذا المؤتمر، وعدم فسح المجال أمام التوجهات التي تريد إسقاط النظام البعثي بتدخل عسكري أجنبي، من شأنه شرعنة هذا التواجد، والاعداد للعملية السياسة ما بعد زوال صدام ونظامه الديكتاتوري، وضمان الحقوق الكاملة لجميع أبناء الشعب من عرب وكورد وتركمان ومسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة، وبقية الأقليات الكريمة.
 عقدت لجنة المتابعة والتنسيق المنبثق عن مؤتمر لندن بتاريخ 26 شباط 2003، مؤتمر صلاح الدين الذي بحث الوضع وتداعيات سقوط النظام، وقد بعث السيد الحكيم برسالة إلى المؤتمر يوضح فيها رؤيته في المرحلة الجديدة، وأن يكون للشعب دورا في إختيار نظامه، وخطر الهيمنة الخارجي التي إعتبرها من أهم الأخطار التي قد تواجه العراق وشعبه والمنطقة برمتها، لما يجدها خطأ كبير له  تداعياته المدمرة، فأميركا ودول أوروبا الغربية أرتكبت أخطاء كثيرة، فهي دعمت وأيدت حركة طالبان والتي أصبحت منظمة إرهابية ذات أبعاد دولية، ومساعدة صدام في قمع الإنتفاضة الشعبانية، ومساندة الحكومات الدكتاتورية القمعية على حساب الحرية والديمقراطية، وهي من أبرز الأمور التي فقد الحكيم حياته من أجلها .
نقطة الشلامجة الحدودية مع إيران، شهدت في يوم السبت 10 / 5 / 2003، رجوع قائدا غيب وأبعد طيلة 23 سنة جسديا عن وطنه الذي قدم من أجله كثير من التضحيات، رجع الزعيم وليس كأي زعيم، رجع الحكيم محمد باقر الذي لم يكن مجرد قائد تيار سياسي أو مرجع ديني لفئة معينة من الناس، كان العراق كله قد رحب بعودته إلى أرض وطنه بين أحبابه ومريديه، خرج مئات الآلاف من الجماهير مرحبة بعودته، هاتفة بهتافات الترحيب ومرددة شعارات الولاء للوطن والمرجعية، لم يكن إستقباله مقتصرا على أتباع تياره السياسي فقط، وإنما شمل جميع الشعب، من محافظة البصرة الجنوبية إلى محط رحاله حيث مدينة جده أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .
ما إن رفض مشاريع الإستعمار والتي أرادت فرض إملاءاتها على العراقيين، وعبر عن شعوره الوطني إتجاه وطنه والولاء للعراق ومرجعيته الدينية، وطالب بحكومة عراقية تكون من وإلى الشعب، وإنصاف المظلومين وإحقاق الحق، غير موافق على التواجد العسكري لقوات الإحتلال وطموحاتها بشرعنة تواجدها غير المبرر، طالت أيد الغد والجبن في يوم الجمعة المصادف 1 / رجب  الموافق 30/ آب / 2003، ليغتال الإرهاب العالمي شخصية عراقية وطنية عرفت ببسالتها وورعها ، قتل آية الله محمد باقر الحكيم في صحن مرقد جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه سلام الله، { ﻳُﺮِﻳﺪُﻭﻥَ ﻟِﻴُﻄْﻔِﺆُﻭﺍ ﻧُﻮﺭَ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺑِﺄَﻓْﻮَﺍﻫِﻬِﻢْ ﻭَﺍﻟﻠَّﻪُ ﻣُﺘِﻢُّ ﻧُﻮﺭِﻩِ ﻭَﻟَﻮْ ﻛَﺮِﻩَ ﺍﻟْﻜَﺎﻓِﺮُﻭﻥَ }  .