18 ديسمبر، 2024 9:51 م

منذ أن قررت الرحيل عن سماء مدينتي واستبدالها بسماء أخرى لم أكن أعي وقتها بإني قد فتحت أبواب الجراح على الأرواح القابعة ورائي وأزعجتها .  
ما السر الذي يدفعني أن أسير بتجرد وسط مفترق الطرق ؟ ألعلي أسير في وادي ظل الموت ؟ ولا اجد بقربي من يحميني … يرتمي الطريق أمامي كجثة جندي مجهول منذ ألف سنة مات … أقف وأتلو مزاميري وامشي معهم  وانا اتابع التقاط شظايا الذكريات المتناثرة من الذين سبقوني و ربما ارمي أنا أيضا ذكرياتي عن مكان عهدته منذ صرخة اعتراضي وخروجي إلى هذه الحياة وكأنني تنبأت بما سيحدث لي مقدما .
اصبح التشرد اللغة الام التي اتقنتها , تعلمت ان اتشرد في مدينتي …في الازقة …على مقاعد الدراسة ..وانا في حالة الحب … رحلة نسيان جديدة , رحلة تخدير جديدة , ما الضير اذن في ان اتشرد رغما عني في بقاع الارض خارج اسوار المدينة  باحثا عن بقعة جديدة  تحتويني اسميها وطني الافتراضي ؟ ولن أجد أبدا …
في طريق الآلام…ثمة دموع خفية عبثا راحت تقلق مسامع الريح …اشتاق لقضمة خبز حار!  بالنسبة  للاسياد ممتعة هي ومربحة جدا هذه اللعبة , وبالنسبة لنا نحن المنفيين ابدا الى حيث اللاانتماء ان ننتمي , شاقة ومتعبة هذه اللعبة … فهل انتهى فصل الربيع العربي وحان موسم الحصاد ؟
 بدأت اشعر بأن الجحيم لن يتسع لنا جميعا لذلك سوف اهدي من شدة غضبي …فلا فائدة ترجى !
ألا ينبغي على العالم أن يعتني بنفسه قليلا ؟ أن يعطي لنفسه هدنة لمدة ألف عام ! فكل ما يحتاجه هو قليل من الحب والحنان والبدء من جديد . 
مع أسراب السنونو أرحل واترك ظلي هناك متمسك بالأرض … أصبحت بلا ظل …الدرب بعيد يمتد الى العمق إلى حيث يولد وجع جديد ينتظرني بشوق .
نعم تخلصت من عقدة الوطن برحيلي , تخلصت من شباك رجل الدين وشعوذته , تخلصت من سطوة المال , تخلصت من القيل والقال … لم يعد يشعر بوجودي بقربه ذلك لانه يمر في حالة من الغيبوبة … بدأت أغربل نفسي الآن … كلما تقدمت خطوة على طريق الجلجلة غربلت نفسي أكثر…أحس بأني أتطهر ولا اعرف كيف اصف لنفسي ما يحدث لنفسي …أحس بأنني أتحرر من القيود … وأصبح أنسانا .
 
 
 
نعم ربما لن أراك مرة ثانية يا وطني لكني سوف أكتفي بإغلاق عيناي بخشوع لأشعر بك في نبضات قلبي .
اتلفت يمنة … اتلفت يسرى لست ادري ما من جواب …فراغ مقلق …هل من حل ؟ ربما تمرد وسكت ذاك الصوت الذي في داخلي , كل الذي اراه الان درب طويلة وثمة شمس توشك على الغروب وتسدل الستارة عن نهاية يوم عتيق …و ربما يأتي غد جديد يبشر بنجمة تضيء…وها هو ذا الخريف يطرق الباب ببرودته المنعشة وصفحات كتابه الصفر المتساقطة على الجانبين …
الان انا أكثر حظا في الحياة رغم انني سأختفي يوما واتحول الى مجرد عطر من ذكرى حزينة .
 بهدوء اتابع رحلتي قبل المغيب وسط صمت الراحلين …لا افكر …لا اتكلم …لا اضحك …لا احلم …بل اسير انا ونفسي فقط في نفس الطريق …
 ويا انا !