23 ديسمبر، 2024 5:24 ص

وهم الوطن الواحد – 2

وهم الوطن الواحد – 2

تقرير المصير حق اصيل للشعوب ، كقاعدة رضا وقبول في تقرير شكل وطبيعة الانتماء في الكيان السياسي والتنظيمي ، هذا الحق يجب ان تناله جميع المكونات ، فهو ليس حقا تفضيليا للبعض على حساب البعض الاخر.
لا ينبغي اجبار او ممارسة الضغط المادي او المعنوي على الشعب الكوردي للانضمام او البقاء ضمن العراق الواحد ، كما انه من المعيب ممارسة طريقة (بيت الطاعة) لابقاء الكورد ضمن البيت الواحد.
تم استفتاء الكورد حول بقائهم ضمن العراق الفدرالي الاتحادي الواحد بالتزامن مع الاستفتاء على الدستور عام 2005 ، ولم يستفت بقية الشعب العراقي حول قبولهم بانضمام الكرد اليهم (على الاقل لم يسألني احد) فقاعدة الحق الاصيل يجب ان تشمل الجميع.
هذا الزواج القسري (كما يصفة الدكتور عبد الخالق حسين) انتج مولودا مشوها ومعاقا.
وأظن ان الكل يدرك ان بقاء الكرد ضمن العراق الواحد فرضه امران:
– الارادة الاقليمية ، فكل من ايران وتركيا وسوريا يرفضون او لا يحبذوا وجود دولة قومية كوردي بجوارهم لحسابات داخلية.
– الاطماع في ثروة العراق ، فنسبة 17% من الموازنة المليارية بالاضافة الى نفقات البيشمركة وتعويضات المتضررين …الخ . فيها ما يسيل له اللعاب.
وبالتالي انتجت حالة من المشاركة المقلقة والمصلحية الانتهازية (لا يمكن تسميتها انتماءا باي حال من الاحوال) 
ما تحدثنا عنه في الحلقة الاولى حول العاملين الاساسيين في وحدة الدول (القوة القاهرة او المصلحة الغالبة) لا يتوافران هنا بحكم ضعف المركز واحادية المصلحة الاقتصادية ، فالمصالح الاقتصادية احادية الجانب تنتج عائلا وليس شريكا، وهذا ما نراه جليا في اقسام العراق الثلاثة (كردستان ، المنطقة الغربية ، وسط وجنوب العراق) فهي تشكل فيما ارى مضيفا واحدا وعائلين.

كردسـتان، واقعا تشكل كيانا مستقلا متماسكا، وبالاخص بعد ضم كركوك التي تشكل منبعا للثروة ، واجزم انهم سيحسنون استثمارها.
يجب ان ندرك ان اقليم كردستان بما تعود عليه من الادارة الذاتية منذ 1991 وبما اكتسبه من خبرات في الادارة وممارسة السلطة، وما حققه من نجاحات ادارية واقتصادية وامنية وتمتعه بعلاقات دولية خاصة ومباشرة ، مقابل فشل المركز في كل ذلك ، قاد الى ان تصبح حالة الاقليم حالة لا يمكن للمركز استعابها او التعامل معها (Over) .
ولا يمكننا ان نطالب الاقليم ان يتنازل عن ما حققه على ارض الواقع ، واستحالة ان يرق المركز (بوضعه الحالي)  لحالة متقدمة تستوعب منجزات الاقليم او تتقدم عليها. فمقومات الدولة المستقلة تتوافر بشكل واضح في اقليم كردستان ، ويجب ان نعترف انها مستقلة فعلا، وللمثال:
– سيطرة مستقلة على المنافذ الحدودية.
– سيطرة مستقلة واردات الكمارك.
– قوة عسكرية وشرطية مستقلة عن المركز وتتلقى اوامرها من الاقليم فقط. (رئيس الوزراء الاتحادي لا يقوى على تحريك
شرطي مرور في الاقليم).
– منظومة اتصالات (سلكية ولاسلكية) مستقلة.
– اوامر القضاء الاتحادي لا تسري في الاقليم.
– برلمان وحكومة ورئيس، لا يتلقون اوامرهم او ينسقوا مع المركز
– علاقات سياسية مباشرة مع العديد من دول العالم.
– نجاحهم في تكوين بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمار، لا تخضع لفتاوى المركز.

الخلاصة الاولى/ كردستان اصبحت كيان سياسي واقتصادي وديموغرافي قوي ومتماسك لم يعد بالامكان استيعابه او جذبه بان تلقي له 17% من الثروة، كما ان الممانعة الاقليمية لقيام الدولة الكوردية خفت بشكل واضح بعد ان ادرك الجميع حكم الواقع.

المنطقة الغربية ، وحدة اجتماعية وسياسية ودينية واحدة، اعتاد ابناؤها حكم البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية، حكاما وضباطا ، ويصعب عليها الان تقبل المساواة او الرضوخ لحكم ديمقراطي انتخابي تعددي (على الاقل من الجانب النفسي) . فهذا الشكل من نظام الحكم سيفرز بحكم الاغلبية السكانية اغلبية وسيطرة للاخرين تسلبهم الهيمنة المطلقة، فالتهميش بنظرهم هو ازاحتهم عن السلطة المطلقة ، واي شيء اقل من ذلك هو ظلم وتهميش لهم ، فمناصب مثل نائب رئيس الجمهورية او رئاسة البرلمان او عشرة وزراء او حتى رئاسة الجمهورية وتمتعهم بثروة الاخرين لا تشكل لهم مشاركة او تعبير او مساهمة بالحكم.
هذه المنطقة ليست فقيرة كما يظن البعض ، ففيها من الثروات غير المستغلة الشي الكثير، ومن حقهم تقرير مصيرهم اسوة بالاخرين وبناء كيانهم واستثمار خيراتهم وممارسة السلطة المطلقة باي شكل ونظام حكم يحبون. ولكن بنموذج مغاير ، لا يشبه نموذج العائل الكردستاني.

المنطقة الوسطى والجنوبية تشكل وحدة اجتماعية ودينية واقتصادية واحدة بغنى عن بقية القسمين الاخرين، فالموارد النفطية التي تشكل (80 – 85%) من مجمل انتاج العراق اضافة للميناء الوحيد والكثافة السكانية التي تنتشر على اراض خصبة، كل ذلك يشكل كيانا متماسكا وقويا ، وكما كان يردد (عراق اصغر ، عراق اقوى).
يمكن لهذه المنطقة التي تشكل قلب العراق ان تعيش بمنأى عن الشركاء المتشاكسين، وان تتوقف عن تحمل مصاريف الاخوة الاعداء ، ما الداعي ان يستمر ابناء الجنوب النفطي بتحمل اعباء كردستان المستقلة واقعا والمنطقة الغربية التي لم ترض يوما كونها شريكا متساويا، والاستمرار بتلقي المفخخات والتفجيرات، مقابل السيادة على كيان هش تنخره العداوات والمناكفات،   ثم ما العلاقة الاقتصادية التبادلية التي تربط الغربية وكردستان بالجنوب؟
اليس من المسغرب ان تحظى البصرة بنصيب من الثرة النفطية التي تنتجها، اقل من حصة نينوى!!! فتوزيع الموازنة قائم على اساس عدد السكان (لم يجر تعداد للسكان منذ الثمانينات) وبما ان سكان نينوى 3 مليون كما يزعمونوسكان البصرة نحو مليونين ..  فعلى (الشراكوه والمعدان، كما يصفهم الدكتور علي الياسري ، والهنود والعجم كما يصفهم غيره)  الاستمرار بضخ ثروتهم للاخرين وتلقي اللعنات.
اما القول انه ستثار مشاكل المياه (اشير الى ما ذكره الدكتور كامل العضاض) اقول، ربما ولكن اذا علمنا ان الاستفادة من الانهار تحكمها القوانين الدولية حول (الدول المتشاطئة) وهذا النوع من المشاكل لا ينتهي (عادة) بين الدول، فهو ما ان يخف في زمن الفيض حتى يثار في زمن الجفاف او المشاريع الحديثة (مثال مصر واثيوبيا)   ثم ان المناطق الغربية لا تعتمد عموما على الارواء (السيح) وانما جل زراعتها يعتمد على الامطار. ورأينا في مثال سدة الفلوجة ان الغرق كان نتيجة اقفال السد،  يصبح التخويف من مشاكل المياه لا اصل له.

الخلاصة الثانية /
1- الانسان اولى من اية اشكال تنظيمية او سيادية وانتماءات زائفة.
2- مقولة وحدة العراق التأريخية الازلية والابدية ما هي الا اكذوبة لامتصاص وحلب ثروات الجنوب، وطحن ابنائه في حروب لا تنتهي.

[email protected]