23 ديسمبر، 2024 10:01 ص

وهم الوطن الواحد …. (1)

وهم الوطن الواحد …. (1)

تتوحد الشعوب والمجتمعات ضمن كيان دولة واحدة باحد امرين ،

اما قوة قاهرة او مصلحة غالبة … ولا دخل للتكوينات التاريخية او الصفات العرقية او الدينية او اللغوية في تكوين الدول او التجمعات الحديثة الموحدة.

من التاريخ الحديث:

انظر الى ما وحد اوربا بكل تنوعها العرقي واللغوي …. تجد المصلحة الاقتصادية.

انظر الى ما وحد امريكا قبل قرنين .. تجد الغلبة والقوة القاهرة ابتداءاً.
ش
انظر ما وحد الاتحاد السوفيتي سابقا وما يوحد روسيا حاليا.

انظر لما وحد ايران في عهد بهلوي الاب في عشرينات القرن الماضي.

انظر ما يوحد الصين على كثرة العدد واتساع البلد.

وفي التاريخ القديم امثلة اكثر من ان تحصى تظهر ان الدول والممالك انما قامت على اساس القوة القاهرة عموما ( من الملك مينا موحد مصر الى دولة الخلافة الاسلامية )

ما يوحد الامارات العربية هي المصلحة المشتركة ، ما وحد قبائل المملكة السعودية في العشرينات من القرن الماضي لتشكيل دولة.. هي القوة القاهرة .

ما وحد العراق بنفس الفترة تقريبا القوة الاستعمارية القاهرة ووريثتها الادارة الملكية وجيشها (انظر في تأريخ حركات التمرد العشائرية في العهد الملكي) وورث العهد الجمهوري جيشا موحدا قادرا على حفظ وحدة البلاد، وتضاعفت قوة الجيش (القوة القاهرة) خلال حرب الثمانينات، ومع تضاؤل قوة الجيش تضاءلت قدرته على صيانة الوحدة. ومجرد ما ضعفت السلطة في اوائل التسعينات انفصلت كردستان.

ولم تفلح الادارات العراقية منذ تأسيس المملكة حتى اليوم في صياغة مصلحة اقتصادية مشتركة بين مكونات المجتمع ، ولعل سيطرة الدولة على موارد البلاد اسس ورسخ لمفهوم الدولة الريعية التي:

– تدير الثروة وتوزعها على الشعب بمكوناته وفق سياساتها وايدلوجيتها

– طبيعيا، تحتاج لما يحمي امتلاكها للثروة (الغني يحتاج لما او من يحميه) والا اصبح نهبا للطامعين ونهاز الفرص.

ان ما نقصده بالمصلحة الاقتصادية المشتركة هي تلك العملية الاقتصادية القائمة على تبادل المنافع (سلع وخدمات) بصورة طبيعية. هذا التبادل والعلاقة الاقتصادية المصلحية تؤدي بحكم الاستمرارية والتقارب الى تكوين تجمع موحد (شكل الدولة) لتسهيل التبادل وتعظيم المنفعة، اي بحيث يجد الناس او المؤسسات الاقتصادية (ان وجت) ان من الافضل لهم ان ينضموا الى بعض في تشكيل (سياسي واقتصادي وكمركي واحد) يصون المصلحة ويمكن الدفاع عنه.

ولا نقصد بالمصلحة الاقتصادية وجود ثروة نفطية ينتظر الجميع حصته منها، فهذا مشهد مشوه للمصلحة الاقتصادية القائمة على الانتاج ونشاط الاعمال الطبيعي.

غياب القطاع الخاص ومحاربة المتبقي منه منذ ستينات القرن الماضي اعاق قيام المصلحة الاقتصادية المشتركة. الدولة الريعية (القوية) حافظت على هذه الوحدة لحد ما … بغياب القوة القاهرة والمصلحة الاقتصادية الغالبة انفرط او يكاد عقد البلد. وبقيت حفنة من الشعارات والاغاني والاوهام التي ورثناها من المدرسة الابتدائية.

بصراحة … ما يفرقنا اكثر ما يوحدنا ، لا نملك الا الدين والتراث وهما يفرقان اكثر مما يوحدان ، الدين بمذاهبه وتفسيراته وتأويلاته وفرقه الناجية وسقائفه التأمرية، والتراث بحكاياته الحقيقية منها والملفقة والتأريخ بدمائه ومجازره ورزاياه.

اليس من الغريب ان لا تجد لاهل الجنوب ما يربطهم بالشمال الا قبور اوليائهم… ولا تجد لاهل الشمال في الجنوب الا ما ينتظرونه من نفطه.

الهوية الوطنية والدولة المدنية نتاج ثقافي وارث تأريخي ، هي اوهن ما تكون في غياب المصلحة الاقتصادية والقوة القاهرة اللتان تخضعان كافة المكونات لسلطة الدولة.

القوة القاهرة او المصلحة الاقتصادية الغالبة، جدوا احداهما على الاقل … او كلٌ يمسك بارضه.