18 ديسمبر، 2024 8:10 م

وهم العلمانيين العرب

وهم العلمانيين العرب

(اسقاط الحالة الاوربية-بدينها الكهنوتي- علينا ثم نبذها.)
يشكو العلمانيون عندنا من الاسلام كثيرا ، بل انهم يعادونه اكثر مما يعاديه من اسس لهم العلمانية واخترعها قبل قرن ، و اكبر ممن يتبعها من اصل اهلها هذا القرن ، واقسى ممن خلفيتهم ملحدة او علمانية في كل قرن.
وشكواهم من الاسلام -وكما هم في كل شيء- شكوى تقليد ومحاكاة وليست شكوى اصيلة ، بمعنى انهم قرأوا الحالة الاوربية القديمة اول نشاة العلمانية وصراع الدولة الاوربية المدنية مع الكنيسة المسيحية آنذاك ونسخوا شكاوى مثقفيها ذلك العصر وبدأوا بتسقيطها على ديننا وخلفيتهم كمسلمين , واخترعوا صراعا وهميا بين الدين والسياسة او المجتمع-ليس حاصل عندنا في الاصل-.
فمن جراء هذا الوهم التطبيقي المنسوخ من حالة مختلفة ووضع اخر على حالة لاتمت لها بصلة الا اسماء الاطراف (دين، سياسة، مجتمع) ، ومن جراء هذه المطابقة القسرية التي ينقصها التشابه، لابد ان تبرز تلك الشكاوى المزمنة وسوف لن تنتهي مع الزمن , الا ان تنتهي العلمانية او الاسلام او يتلاشى العلمانيون العرب .
ولابد ان تظهر تلك المشكلات التي اتعبونا هؤلاء بتكريرها على مسامعنا وجلد انفسهم وجلدنا دون ذنب ولا مسوغ الا وهمهم ووقوعهم في خطا النظرية والتطبيق .
•كان المتدينون الاوربيون يحكمون المجتمع من الكنيسة ويسيرونه تماما كما يريدون ، ولايمكن ان يعترض احد على كاهن لانه يمثل الرب ويستقي الاوامر منه مباشرة ، والرب -كما هو معروف-معه في كنيسته كل حين ، فان لم يكن الرب نفسه فزوجه مريم او ابنه عيسى . ولذا فالعامة بل والمثقفون مغيبون لا راي لهم ولا قول. وهذا غير واقع عندنا في اعتقاد الاسلام ،
لا كنيسة عندنا ولارب فيها . بل هو جامع اذا غاب امامه أم الناس اقرؤهم او اعبدهم بدلا عنه ، واذا مرض خطيب جمعته جاؤوا بخطيب اخر يؤدي عنه ، فلا قداسة ولا ابوية ولا اوامر من الله. ولكن العلمانيين العرب لايدركون ، فشكوى سلطة الدين على الناس عندنا لا اصل لها ولاموجب ، وهم يعيشون وهما واسقاطا تاريخيا لايريدون ان يفطنوا اليه. وهنا اتكلم عن الاسلام بامته وعمومه ومنهجه وقرآنه وسنة نبيه ، ولا اضم الى ذلك فرقة من المسلمين او فرقتين صغيرتين اتبعتا او استقتا من النهج المسيحي في المغالاة بعقب النبي محمد وتأليههم , او التقليد الملزم للمراجع وتقديسهم.
•• وكان رجال الدين الاوربيون يعدمون ويقتلون ويميتون ويحيون ولا كلام يعارضهم لا من حاكم ولا محكوم ، لانهم رجال الدين او رجال الكنيسة ولذا سمي الصراع العلماني انذاك (الصراع مع الكنيسة) ، ونحن ليس لدينا رجال دين ، هذا مصطلح ترجم لنا من الغرب حديثا فصدقناه واستخدمناه ، نحن لدينا علماء ، وائمة وحفاظ وخطباء وطلبة علم . وليس لدينا “رجال جامع”! فهل سمعتم بصراع بين الدولة والجامع في كل عصور الدولة الى اليوم؟ ولكن العلمانيين العرب لايفقهون . ولايريدون ان ينتبهوا الى هذا فيقصرون .
•••الدين المسيحي بكنيسته تلك الايام كان يحرم التفكير ، ويجرم الطب ويشيطن الهندسة ، فهل لدينا في الاسلام مثل هذا؟ بل المسلمون تحت حكم الاسلام الفوا في الفلسفة والقانون المدني والدستوري والطب والفلك والهندسة ،ونشروه للعالم المتخلف انذاك ، ولم نؤلف او نصنع بعدهم شيئا الى الان. فكلام العلمانيين وشكايتهم ليس الا ضرب من الترديد والتقليد ،
كترديدهم للحرية المزعومة للمراة ويقصدون استرجالها ،او عرض جسدها كسلعة ، والمراة غافلة سائرة خلفهم سادرة ، تظن انهم يريدون بها خيرا من تزويق الكلام الذي لا ينتهي بها الا الى ما انتهى مصير اختها الاوربية من حضن الى حضن ومن (بار الى بار)، دون ولد يقبل اليدين في الكبر ، ودون زوج يحنو ويستر ويغار ، ودون عز في بيت الاب الذي يروم دخول الجنة بالرعاية ، ودون بنات يردن خدمتها في كبرها ليحسن الخاتمة والنهاية . و دون حماية عرضها من قبل عموم الناس ، وتقديمها على الرجال في كل امر يحفظ كرامتها.
•الدين الذي حاربته العلمانية الاوربية واشتكت منه وثارت عليه ، هو الدين الذي انحدر بهم الى قاع التخلف والظلمات ، والعطل من كل فن او صناعة ، او علم او فكر او زراعة ، حتى كانوا يدرسون عند المسلمين وياكلون من المسلمين ، ويتعلمون الغسل والنظافة من المسلمين، ويبني كبراؤهم بيوتهم على طراز بيوت المسلمين ، حتى استنجد عوامهم وفقراؤهم بالمسلمين، فما تقدموا حتى فصلوه عن دولتهم وحدوا من سيطرة كنيستهم .
والدين الذي يريد علمانيو العرب محاربته عندنا ويشكون منه هو الدين الذي اوصلنا الى العلم وجهلنا بعده ، و سلطنا على شعوب الارض وقعدنا بعده ، واعزنا امام الامم وغشانا الذل بعده، و انشأ لنا الجامعات والمدارس والقوانين و تخلفنا بعده ، و صنع لنا الامجاد ودمشق والقاهرة وصنعاء والقيروان وبغداد ،، وضعنا بعده . و اكرم نساءنا وضعن بعده ، واعز رجالنا وذلوا بعده .
فعن عن اي تجربة اوربية وتطبيقها يتكلم العلمانيون ، ومن اي دين وعلمائه يشكو المتنطعون ، و في اي مقارنة غبية جوفاء يخوضون ، وعن اي تطوير وتقدم ،، شكاية من الدين يتحدثون ، والى متى يتخبطون ، فهلا ينتهون.!