20 فبراير، 2025 3:23 م

وهم الحل : جذور أزمة الميليشيات في العراق

وهم الحل : جذور أزمة الميليشيات في العراق

غالبًا ما يتم التعامل مع الفصائل المسلحة في العراق على اعتبارها قضية أمنية يمكن حلها من خلال نزع السلاح أو الاندماج في قوات الأمن المختلفة . ومع ذلك، تفشل مثل هذه المشاريع لأن المشكلة في الحقيقة هيكلية بحتة ، فهي متجذرة في النظام القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية ، مما تسبب في ضعف مؤسسات الدولة، وتغول الفساد، والتدخل الأجنبي. وبدون تغييرات منهجية لنظام الحكم  ستستمر معضلة الميليشيات العراقية.
لقد تداخلت الميليشيات الولائية مع منظومة الحشد الشعبي المرتبطة برئيس الوزراء مباشرة ، حتى اصبح من المتعذر فرزها واقصائها. وطبعت الحشد الشعبي بطابعها . واصبحت متأصلة بعمق داخل الجهاز السياسي والأمني العراقي. إنهم ليسوا مجرد جهات فاعلة مارقة، بل امتدادات فاسدة للأحزاب السياسية والفصائل التي تتنافس على السلطة والثروة . إن وجودهم متجذر في نظام تزدهر فيه المحسوبية والفساد وانعدام المساءلة .
تطورت الميليشيات العراقية، إلى ما هو أبعد من الجماعات شبه العسكرية . إنهم يسيطرون على موارد اقتصادية هائلة، ويتمتعون بنفوذ سياسي كبير، ويعملون خارج التسلسل القيادي لقوات الأمن الرسمية في العراق . ويدعم العديد منهم الحرس الثوري الإيراني ، مما يزيد من تعقيد الجهود المبذولة لوضعهم تحت سيطرة الدولة.
إن الاستقلال السياسي والعسكري لهذه الميليشيات، “لافتقار السيطرة الحكومية المباشرة”، قد عطل إجراءات الأمن الوطني وزعزع استقرار البلاد . وتسبب في تحويل العراق إلى ساحة معركة للقوى الاقليمية والدولية .
كما ان اعتماد النخب السياسية على  الميليشيات الحزبية كأدوات للمحسوبية والحماية قد قوض الوحدة الوطنية ، وغيب القرار السياسي الموحد للدولة .

تستولي الميليشيات المختلفة المدعومة من إيران على ثروات البلاد ، وترتكب عمليات اغتيال واختطاف وأشكال أخرى من العنف لحماية مواردها المشبوهة . إنهم يستخدمون العنف لقمع أي معارضة أو محاولات لتحسين الوضع الراهن . . ولهذا السبب، أصبح الفساد والعنف مشكلة بنيوية عراقية، تؤثر على جميع طبقات المجتمع والقوات المسلحة والحكومة .

إن تأثير الفصائل المسلحة على السياسة العراقية كبير للغاية حتى أصبح من المستحيل عمليًا تنصيب رئيس وزراء دون دعمها وموافقتها .

وقد فشلت الجهود الرامية لكبح سلطة الميليشيات مرارا ، وعندما تعلن الحكومة عن تدابير جديدة لتقييد عملياتها ، فإن الإنفاذ يكاد يكون معدوما . ويخشى المسؤولون الانتقام، وغالباً ما تكون قوات أمن الدولة غير راغبة أو غير قادرة على مواجهتها .

إن الحل الوهمي المتمثل في مجرد حل الميليشيات يتجاهل الشبكة المعقدة من العوامل التي تسهم في وجودها. انهم يمثلون دولة داخل الدولة .
ومطالب الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة للحد من الجماعات المدعومة من إيران تتجاهل دعم الديناميكيات المحلية والإقليمية للميليشيات.
والمشكلة ليست فقط في الميليشيات نفسها بل في النظام الذي يمكّنها من ذلك.وان أي سياسة تركز فقط على الميليشيات بدلاً من البيئة السياسية والاقتصادية الأوسع ستفشل .
إن حل الميليشيات أو استيعابها دون معالجة نقاط الضعف الهيكلية للدولة لن يؤدي إلا إلى تشكيل مجموعات جديدة بأسماء مختلفة.
وتتطلب الحلول الدائمة لهذه المشكلة تفكيك آليات نظام الحكم الحالي القائم على تسييس الانتماء الطائفي للمواطن ، وإبدالها بأسس وطنية تتوافق وتتلاءم مع التغيرات المقبلة على الساحة الإقليمية والدولية . وبعكسه ستستمر أزمة الميليشيات العراقية، مما يديم دورات العنف وعدم الاستقرار .

أحدث المقالات

أحدث المقالات