من منا؟ ومن من العالم كله لا يعرف الحضارة العراقية؟؟؟ العراق مهد الحضارات الانسانية، ويُعرف ببلاد وادي الرافدين دجلة والفرات، وكان اول من عرف الكتابة والقراءة المسمارية… في هذه الحضارة تم اختراع دولاب عجلة صناعة الفخار، والكتابة المسمارية، واشتهرت بصناعة الاختام التي كانت تستعمل في المعاملات التجارية المختلفة… وظهرت في وادي الرافدين بدايات التنظيم الاجتماعي والسياسي للإنسان… والتي تطورت مع الزمن فأسسوا وشيدوا حضاراتها السومرية والاكدية والبابلية والاشورية. (الكلام يطول في الحضارة العراقية). لكن…
هل نكتفي بهذه الحضارة؟ ونجلس متكئين متفاخرين بها فقط, ونقول اننا اصحاب حضارة ونحن حضاريون…
القول بأننا حضاريون, قول خطير, يمنعنا من ان نتحضر. لأن لحظة تّقبل بأنك متحضر, تنتفي الحاجة للعمل من اجل الحضارة. لحظة تقتنع انك سليم معافى صحياً, تنفي الحاجة لزيارة الطبيب والشفاء من امراض قد تسبب لك الاوجاع والآلام. في البدء عليك الادراك انك مريض, بعدها يمكن فعل شيء لشفائك.
منذ قرون, وما يقال عنهم انهم سياسيون, يرفضون الاعتراف اننا لسنا متحضرين… على العكس قالوا بأننا متحضرون. وهذا ما منعنا من ان نصبح متحضرين. تقبلنا فكرة اننا متحضرون, ونسينا ان علينا التأكد عما اذا كانت هذه الفكرة واقعية ام لا … الحقيقة انها ليست واقعية ولا تمت الى الحقيقة بصلة.
التحضر, عندما ينتقل المجتمع من العيش بالصحاري تحت الخيم الى اعظم بنى تحتية بالعالم, لا العكس.
التحضر, عندما ينتقل المجتمع من البداوة الى العلم والمعرفة ليكون قبلة للعالم, لا العكس.
التحضر, عندما ينتقل المجتمع من رعاية الابل والخيول الى التكنلوجيا والاستثمار في جميع اتجاهاته, لا العكس.
التحضر, عندما ينتقل تعليم الطلبة والتلاميذ من المدارس المتهرئة وطرق التعليم المستهلكة الى اعظم بيئات تعليمية بالعالم, لا العكس.
التحضر, عندما يكون المجتمع يقرأ ويحترم العلم والمعرفة ويكون من اولوياته التعليم, لا ان يكون يفتقر الى المكتبات العامة والكتب تباع على الارصفة تحت الغبار والاتربة.
التحضر, ان يكون المجتمع متسامح منفتح ومنسجم مع نفسه ومتقبل للآخر, لا يفكر بالصراعات والتشكيك والتفكير بالربح على حساب خسارة الآخر.
التحضر, ان تكون للمرأة حقوقها وأن تبدع, لا ان تهان وتُذل.
التحضر, عندما يكون بلدك قبلة للسياح, وقبلة للعلم, وقبلة للتطور.
التحضر, عندما يكون المجتمع يبحث في الابتكار, والبحث عن التميز والابداع الفكري والثقافي, وعندما تتوفر للفرد كل مقومات الابداع مع الدعم لاستغلال الطاقات بالشكل الامثل.
ان لم نستفد من الطاقات الابداعية, ان لم نحولها الى سعادة وفرح, فستتحول ضدنا, سوف تتحول الى عنصر تدمير… قيل ان ادولف هتلر, كان يرغب ان يصبح رساماً, لكنه لم يُقبل في الجامعة. تخيّل, لو قُبل هتلر في الجامعة لكان اصبح رساماً, وكان تغير مصير العالم كله, ولما كنا عرفنا الحرب العالمية الثانية, اراد هتلر ان يكون انساناً خلاقاً مبدعاً. كان يرغب في استغلال طاقته بالأبداع الخلاّق, لكنهم خذلوه ورفضوا قبوله في الجامعة فأخذ العالم كله نحو هاوية الدمار. كما لم يفعل أي انسان آخر: ذلك لأن الطاقة التي قد تكون خلاّقة مبدعة قد تصبح طاقة تدميرية ان لم تتوفر لها البيئة المناسبة لتطلق ابداعها.
سنمتلك الحضارة, ونقول اننا متحضرون عندما تكون لدينا الثقافة الكافية لتجعل لنا القدرة على ان نصرخ بوجه مصيرنا الغير متحضر.