أشهر قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة , في حالة عدم نقض قانون الانتخابات الجديد من قبل المحكمة الاتحادية العليا , وهنالك من يعتقد إنّ رياح التغيير قادمة وستقلع هذه المكوّنات الفاسدة التي كتبت الدستور الفاسد وأرست قواعد هذه العملية السياسية الفاسدة , وهذا الاعتقاد لا يعدو كونه أكثر من سراب , فالتغيير المنشود يحتاج إلى أدوات للتغيير , وهذه الادوات لا زالت مفقودة حتى هذه اللحظة , وواهم من يعتقد أنّ الانتخابات القادمة ستاتي ببرلمان قوي ومنسجم ومتماسك يأخذ على عاتقه مهمة تصحيح الأوضاع وتخليص العملية السياسية من الأردان التي علقت بها جرّاء سيطرة الأحزاب الطائفية والقومية الإنفصالية على مسارات العملية السياسية الفاسدة , وسأبين للقارئ الكريم سر هذا التشاؤم وعدم التفاؤل بهذه الانتخابات التي أتمنى أن لا تجري بهذا القانون وبهذه القواعد المعمول بها حاليا .
أولا / إنّ المكونات السياسية التي ستتنافس على مقاعد البرلمان القادم , هي ذات المكونات السياسية التي تشّكل الخارطة السياسية الحالية , حيث لم نسمع حتى هذه اللحظة عن اجراء أي تغييرات جدّية وحقيقية على مستوى قيادات هذه المكوّنات , فهذه القيادات لا زالت هي من يسيّر دّفة الأحزاب الطائفية السنيّة منها والشيعية , وحتى كتلة التغيير الكردية فهي الأخرى لا زالت حظوظها بعيدة عن قيادة التغيير في الشارع الكردي .
ثانيا / إنّ القوى السياسية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والمتمثلة في التيّار المدني الديمقراطي , لا زالت مهمّشة وضعيفة وبعيدة جدا عن مهمة قيادة التغيير القادم في العراق , وتجربة الانتخابات المحلية الأخيرة قد عكست هذه الحقيقة المؤلمة , فالغالبية العظمى من الناس في العراق لا زالوا تحت تأثير مورفين الشعارات الدينية والطائفية , ولا زالت الأحزاب الطائفية قادرة على خداعهم والتلاعب بعواطفهم بالرغم من كل هذا الفساد والفوضى وسوء الإدارة .
ثالثا / إنّ طبيعة الانقسام الحاد في بنية المجتمع العراقي ونسيجه الاجتماعي والذي أدّى إلى هذا الاقتتال الطائفي وهذا النزيف المستمر للدم العراقي , هو الآخر قد فرض نفسه على هذا الواقع , مما تسبب في غياب الخطاب الوطني لصالح الخطاب الطائفي والقومي البغيضين .
رابعا / إنّ بقاء العملية السياسية الحالية القائمة على مبدأ المحاصصات القومية والطائفية , وبقاء الدستور الحالي على حاله دون اجراء أي تغييرات عليه , وفي ظل غياب قانون الأحزاب وعدم وجود قانون للانتخابات يعكس الرغبة الحقيقية لخيارات الناس وتطلعاتهم , لن يؤدي إلى قيام عملية انتخابية ديمقراطية سليمة تحقق هذا التغيير المنشود .
خامسا / إنّ سيطرة أحزاب السلطة الحاكمة على المال والسلطة , وضعف إمكانات قوى التغيير الحقيقية المادية منها والإعلامية , وظاهرة شراء الولاء والذمم لشيوخ العشائر العراقية وبعض الوجوه الاجتماعية , قد أصبحت هي الأخرى عاملا يلعب دورا كبيرا في توجيه خيارات الناخب العراقي .
سادسا / موقف المرجعيات الدينية سواء كانت الشعية منها أو السنيّة , لا زال هو الآخر يلعب دورا كبيرا ومؤثرا لغير صالح قوى التيّار المدني والديمقراطي في العراق , حيث تعتقد هذه المرجعيات أنّ نمو التيّار الديمقراطي في العراق سيكون لصالح القوى العلمانية التي تعتبرها هذه المرجعيات معادية للإسلام .
سابعا / إنّ الوضع الإقليمي وتجاذباته السياسية هو الآخر يلقي بضلاله على الانتخابات القادمة , وهذه التجاذبات لا تسمح في الوقت الحاضر بحدوث تغيير لا تعرف اتجاهاته وتأثيراته على مجريات هذا الصراع القائم في المنطقة , وهنا أقصد موقف إيران من هذا التغيير .
فهذه الأسباب وغيرها تجعل من عملية التغيير المنشودة عملية شبه مستحيلة , وأنا واثق إنّ هذه الوجوه الكالحة والنفوس الفاسدة ستعود نفسها , وستعود أحزابهم لذات السياسات الحالية القائمة على أساس المحاصصات الطائفية والقومية , وربّما ستذهب بعض الوجوه وهذا من المؤكد وتأتي وجوها جديدة أخرى لا تقل قبحا ووساخة من الوجوه التي سبقتها , والجميع لن يكون على قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب , والتغيير بهذه الوجوه سيكون شكليّا ليس إلا , ولن يتعدّى لمنهج هذه الأحزاب الطائفية وسياساتها , والتوقعات الحالية لا تنبأ ببروز تكتل سياسي قوي قادر على تحقيق فوز مطلق وتشكيل حكومة أغلبية سياسية , وستعود قصة تشكيل الحكومة الجديدة إلى ذات القصة القديمة , وحينها سيبدأ ماراثون تشكيل حكومة شراكة جديدة وسيبدأ الجميع للتنظير لأهمية هذه الشراكة الوطنية في هذه المرحلة الحسّاسة التي يمر بها البلد , وسنعود لنفس الفلم الهندي أو كما يقال في المثل الشعبي ( تيتي تيتي مثل ما رحتي أجيتي ) .