23 ديسمبر، 2024 1:26 ص

وهم الاصلاح ومطاردة المفسدين في انتخابات العراق

وهم الاصلاح ومطاردة المفسدين في انتخابات العراق

لايكاد يمّر يوم أو مناسبة دون أن يطلّ علينا الماسكين على السلطة في العراق للحديث عن حجم الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة العراقية والتي أطاحت بكل رموز النزاهة والشفافية واسقطت أركان نجاح لدولة تجاوز عمرها ألـ 6000سنة،وليصبح حديث المسئولين عن ضرورة معالجة الخلل الذي أصاب المنظومة القيميّة والاجتماعية في العراق بأذى بالغ جزءاً مهماً من الدعايات الانتخابية للأحزاب والشخصيات المرشحة للوصول إلى البرلمان العراقي في انتخابات عام 2018..ولكون الموضوع أصبح صداعاً ملازماً لنا نحن المتلقين لهذه الشعارات الانتخابية.. لابد لنا أن نحلل في هذه الورقة مدى قدرة هؤلاء المرشحين للبرلمان على إصلاح وزارات الدولة ومؤسساتها الأخرى من آفة الفساد؟..
يمكن القول أن هناك أسباب عديدة تجعل من هذه الشعارات مجرد هواء في شبك،وهي محاولة لإستجداء أصوات الناخبين،ومن بين هذه الأسباب:
أولاً: هيمنة أحزاب السلطة على الحكومة،وهي أحزاب جاءت بقرار إيراني- أمريكي مشترك بعد احتلال العراق 2003،وهذه الأحزاب بالمجمل تدعي أنها تمثل الإسلام،مثال(حزب الدعوة،المجلس الأعلى،التيار الصدري،الحزب الإسلامي)،وقلة قليلة منها قريبةمن التيار المدني كحركة إياد علاوي وجبهة الحوار الوطني،وإئتلافات سنيّة،وأخرى قومية كالأحزاب الكردية والتركمانية،وهذه الأحزاب وأن كثرت فيها الانشقاقات إلا أنها تجتمع حين يقترب منها خطر فقدان وزارة من الوزارات أو تتهدد مصالحها ونفوذها في مؤسسة من المؤسسات.
ثانياً:غياب الممارسات الديمقراطية الحقيقية،فالانتخابات واحدة من شروط الديمقراطية وليست هي الأساس فبالإضافة إلى الانتخابات هناك،المشاركة،وحرية الرأي،والتبادل السلمي للسلطة وهذا مالايجري طيلة الدورات الانتخابية،ففي العام 2006رفض إبراهيم الجعفري التنازل عن السلطة لخليفته الذي خان زعيم حزبه ليطرح نفسه بديلاً أفضل للحكم،واستمر الجدّل لأشهر قبل أن يفك أسر الكرسي لصالح نوري المالكي،الذي عاد وجنّ جنونّه بسبب فوز قائمة إياد علاوي في انتخابات 2010 وكشر عن أنيابه واستدار عبر كل الوسائل الممكنة والمتاحة ،حيث استعان بإيران والولايات المتحدة وقواته الأمنية والمحكمة الاتحادية التي أعطته حق تشكيل الكتلة الأكبر،وحصل ذات الشيء مع حيدر العبادي 2014،عندما رفض المالكي تسليم السلطة له مدعياً أنه حصل على مقاعد وأصوات أكثر من رئيس المجلس السياسي في حزبه حيدر العبادي واستمر الجدل لـ 6 أشهر قبل أن تتشكل حكومة رغم أن تنظيم داعش الإرهابي كان يطرق أبواب بغداد.
ثالثاً: السلطة القضائية العراقية التي يجب أن تفسر الدستور حسب مقاصده وحسب ماأراده المشرعون ليكون حاكماً للخلافات وفوق أهواء السلطات الأخرى كلسلطتيين التنفيذية والتشريعية،وهذا لم نره منذ تشكيل مجلس القضاء الأعلى في العراق ومحكمته الاتحادية فالنصوص الدستورية والقوانيين والتشريعات تُطوع لكي تكون ملائمة لتوجهات رئيس الوزراء المتفرد بالسلطة وهو حتماً شيعي ومن حزب أوحد هو حزب الدعوة- حسب ماجاءت به قوانين المحاصصة وإتفاقات الغرف المظلمة بعد 2003،ومن ذلك تفسيرها لشكل الكتلة الأكبر الذي حرم إئتلاف الوطنية الذي يقوده إياد علاوي من تسلم السلطة رغم فوزه بـ (91) مقعد عام 2010،وتحويل تشكيل الحكومة للآئتلاف الشيعي بحيث تمكن نوري المالكي من تشكيل الحكومة،فضلاً عن ألآف قرارات الأستبعاد ومنع المشاركة لمواطنيين بحجج مختلفة كونهم يختلفون مع الزعيم الأوحد.
رابعاً: المرجعية الدينية في النجف ونقصد وكلاء المرجعية وليس المرجع الأعلى نفسه:والتي باتت تهتم بالذي يعنيها من أمور الدين والذي لايعينيها من أمور السياسية،وأصبحت جزءاً ضاغطاً من مؤسسات الدولة المسيطرة على شئون الحكم..فهي من تقرر القائمة التي تدعم وتنشر علمائها على كافة مناطق نفوذها لحث الناس على انتخاب القوائم ،وهي من تدعم رئيس الوزراء وتغمز للأحزاب الأخرى لقبوله أو رفضه،وهي لاتستند بذلك على ملاحظة مصلحة المواطن بقدر رؤيتها لمصلحتها هي دون غيرها،والأمثلة كثيرة وأخرها إصدارها تعليمات بشأن الانتخابات تقول فيها أنتخبوا من يروق لكم سواءاً كان صالحاً أو فاسداً بدعوى(البقاء على مسافة واحدة من الجميع).
خامساً: المال السياسي الكبير والذي ينثر بالمليارات على صور وبوسترات ومعلقات وولائم وأكياس من الفواكه والمأكولات والملابس،وتنظيم زيارات لكربلاء والنجف،ومسدسات وكارتات شحن هواتف وأموال لشراء الأصوات.
سادساً: مفوضية الانتخابات:وهي المؤسسة المسؤولة عن أعداد الخطط وتهيئة الأجواء لنجاح الانتخابات،وهي من تشرف على التصويت وتعد الأصوات،وهنا الطامة الكبرى وهي أن يتحول صوتي الممنوح للكتلة أو المرشح (س) لصالح الكتلة والمرشح(ص)،وهذا ما دأبت عليه المفوضية كونها موزعة على أساس مذهبي وقومي وأعضائها يؤتون بترشيح من حزب السلطة.
سابعاً: الحشد الشعبي:الذي سيفرض مايريد بالتصويت لكتلة الفتح الانتخابية ولصالح مرشحيه في مناطق بات يملك فيها نفوذاً منقطع النظير مثل الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك..وإلاّ في أي زمن يتجول فيه هادي العامري في الأنبار ويستقبل من بعض العناصر فيها كأنه المسلم الذي فتح القسطنطينية التي استعصت على المسلمين محمد الفاتح- وكان قبل ذلك بسنتين غير قادر على العبور على طريق المرور السريع الرابط بالأردن.
ثامناً:التدخلات الخارجية في الانتخابات وعلى الأخص التدخل الأكبر والأخطر الذي يأتي عبر إيران التي تتسيّد المشهد السياسي والأمني في العراق عبر سفارتها ونفوذها داخل مؤسسات الدولة نزولاً من مؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء والسلطات التشريعية والقضائية،ولاننسى الدور الأمريكي والتركي والمال الخليجي.
لهذه الأسباب وغيرها على العراقيين أن لاينتظروا خيراً من هذه الانتخابات،بل بالعكس ستأتي لهم بشرار القوم من مفسدين وإرهابين وخارجيين عن القانون وبإشخاص أمتهنوا السرقة واللصوصية، وتمرغوا في وحلّ الخيانة لله قبل الوطن..ولانقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون.