19 ديسمبر، 2024 4:58 ص

وهم الإصلاحات بين أفلاطونية العبادي وفوضى الجماهير

وهم الإصلاحات بين أفلاطونية العبادي وفوضى الجماهير

كما كان متوقعا بأن الإصلاحات التي اضطر إلى ركوب موجتها السيد العبادي تحت ضغط التظاهرات الشعبية ودعوة المرجعية الدينية العليا لن تكون واقعا ولن نشهد إصلاحا حقيقيا , وكل ما يمكن إن يحدث هو إجراءات تقشف صلعاء تزيد في تخبط الدولة وتساهم في مزيد من المعاناة وتفتح أبوابا جديدة للفساد المبطن , فقرار مثل قرار الإقراض لقطاعات في حقيقتها مهملة أصلا من قبل الدولة واعني قطاعي الزراعة والصناعة  لن يكون مجديا , خصوصا وان تجربة الإقراض جاءت بناءً على مشورة من المستشارين استنادا لقراءة نظرية للإصلاح الاقتصادي من اجل توفير مصادر داخلية لتوفير دخل مساعد للدخل القومي عبر مشاريع اقتصادية صغيرة الفكرة نظريا صحيحة لكن الخشية من التطبيق بسبب منظومة الفساد المسيطرة على أطراف الاقتراض وبالذات المواطن فهناك تجربة سابقة مع قروض منحت لغرض إقامة حقول تربية العجول وحقول دواجن فما كان من المستفيدين غير استثمار الأموال بعيدا عن الهدف المخصص و بتواطىء  مشين مع المسؤولين عن منح الموافقة على الإقراض وهذا يعني إن هذه القروض ستكون صيدا ثمينا لتلك المنظومة الشاملة للفساد , وكل ما طرحته حزم الإصلاح في الحقيقية يدور ضمن هامش ضيق وبعيدا عن أي خطوة إصلاحية حقيقية يمكنها تغيير الواقع الفاسد والكثير منها صدر مخالفا للقانون ولمبادئ الدستور كما جرى في الغاء بعض المناصب وقرار تخفيض وإيقاف مرتبات لشرائح معينة حددت مرتباتها وفق قوانين نافذة مستندة إلى مواد دستورية والأصل قانونيا إن القانون لا يلغى إلا بقانون كما إن القانون لا يكون نافذا إلا إذا توافق مع الدستور حسب مبدأ دستورية القوانين , فكيف يتم الإصلاح بمخالفة القانون , إن السيد العبادي صراحة بدا لا يملك القدرة على الإصلاح رغم تفويض الشعب ودعم المرجعية وهو يتجه نحو تضييع الفرصة التاريخية التي لم تنمح لرئيس حكومة عراقي منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة , لجملة عوامل منها ما هو موضوعي  وأخرى ذاتية , فالرجل واقع تحت تأثير وضغوط عملية سياسية قائمة على أساس محاصصة طائفية مقيتة ارتضتها جميع الأطراف واقعا وتتمسك بها حقيقة وترفضها إعلاميا ودعائيا , كما انه من حزب من أحزاب السلطة المسؤول مسؤولية مباشرة وبنسبة تفوق نسبة  باقي أحزاب السلطة  عن الفساد وحالة انهيار الدولة ومشارك بقوة في كل عوامل ذلك الانهيار الذي صار وشيكا بعد استمرار انخفاض أسعار النفط  وتصاعد العجز في ميزانية الدولة ولن يوقف ذلك الانهيار غير معجزة  تحدث لسوق النفط العالمية , ومن العوامل الأخرى لعجز الدكتور العبادي هو هيمنة قيادة حزبه على قراراته لذا نراه يتخبط بقرارات تقشفية لم تطال بشررها غير المواطن , فالرجل بدا ذا عقلية  أفلاطونية من حيث يشعر أو لا يشعر محاكيا بذلك غيره من حكام المنطقة وان كان نتاج عملية ديمقراطية وانتخابات مقبولة نسبيا فصار يقيس العدل بمقياسه هو  ويتصرف على ضوء رؤيته للصواب دون إن يلتفت إلى الحقيقة التي حركت الجماهير ودفعت بها إلى التظاهر  ولم يسمع مطالبها إنما فهم ما أراده هو من تلك المطالب وسعى سعيه نحوها بخطى متعثرة متناسيا بأن الإصلاح المنشود هو ضرب عناوينه البارزة التي لعبت بمقدرات الأمة حتى جعلتها أمام إخطار حقيقية تتهدد مستقبلها بل تهدد كيان الدولة ووحدتها ,  لن يكون أي إجراء يقوم به السيد العبادي إصلاحا ما لم  يمنع نزيف الدم والمال العراقي واستعادة ما نهبه وزراء وقادة كتل ومن هم اقل مرتبة أو سماسرة واحالة المتهمين بالفساد الى القضاء ليصدر بهم قراره أما بالبراءة أو الإدانة لن يكون للإصلاح معنى او واقعا ما لم يقف المسؤولون عن ضياع اموال الدولة ونهبها في قفص الاتهام ليسالوا عن نزيف الدم ونزيف الأموال ويسألون عن ارقام فلكية اختفت قدرة فاسدين  ويسأل من سلموا محافظات كاملة لداعش دون أي تردد ,  وضرب المحاصصة الحزبية والإتيان عاجلا بحكومة جديدة تقوم على أساس الكفاءة والنزاهة بعيدا عن أي تقاسم أو نسبة تحت أي عنوان  لإنقاذ ما يمكن إنقاذه . وبالمقابل على الجماهير المتظاهرة إن تبتعد عن حمى التظاهر لأجل التظاهر  وشخصنه المطالب ورفع شعارات مدفوعة الثمن من قبل جهات نفعية هدفها إسقاط العملية السياسية وليس إنقاذها لتحقيق أهداف عابرة للحدود تسعى للعودة بنا إلى الوراء وبث الروح في أمس انتهت ساعاته وصار في خبر كان  , للأسف شهدت التظاهرات الأخيرة انخفاضا  في عدد المشاركين وأيضا رفع شعارات برعاية من بعض الجهات المشبوه حاولت حرف التظاهرات من تظاهرات مطالبة بالإصلاح إلى تظاهرات ترفع شعارات عبثية تريد إن تنشر الفوضى وتثير الصراعات بين المتظاهرين أنفسهم ولعل اخطر الخطوات ما جرى في بابل والمثنى حيث سعت جموع المتظاهرين إلى السيطرة على مبنى المحافظتين والطلب من المحافظين تقديم الاستقالة وما قيل هناك يقال هنا لا إصلاح بتجاوز القانون . إن بوادر اتجاه التظاهرات نحو التسليم لسيطرة القوى المشبوهة تلوح بالأفق ما لم يتم معالجة الأمور من  خلال الرجوع إلى إرادة الشارع العراقي بعيدا عن الأهواء وبعيدا عن مراعاة مصالح أحزاب السلطة وأعداء العملية السياسية الذين صاروا ينشطون بالأسبوعين الأخيرين للتظاهرات  , ولاستفادة من دعوة المرجعية في توحيد الطلبات وعدم رفع طلبات شخصية أو حزبية , وهذا يستلزم وجود قيادة مركزية للتظاهر ووجود تنسيقيات له وإلا  فإننا  سنخسر معركة التظاهر ولن تتحقق إرادة الشعب وسيكسب المفسدون معركتهم وسيندم السيد العبادي كثيرا حين يغرق ويُغرق العراق معه  وهو يعيش وهم الإصلاحات ووهن الإصلح   لأنه أضاع فرصة تاريخية لإنقاذ العراق الجديد من براثن الفساد وحيتانه الذي افسدوا الحرث والنسل وسرقوا ويسرقون  خيرات البلاد لأنه لم يتخذ الخطوات اللازمة مدارة لأحزاب السلطة و مافيا الفساد التي يعلمها بشخوصها وأعمالها  خصوصا انه ليس ببعيد عنهم  وبالتالي يصدق عليه القول لا يصلح العبادي ما أفسده اقرأنه …  و لك الله يا عراق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات