23 ديسمبر، 2024 8:33 م

وهم اسمه الانقلاب.. والجيش تحول الى ملكية خاصة..!!

وهم اسمه الانقلاب.. والجيش تحول الى ملكية خاصة..!!

يعتقد بعض المحللين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي بحدوث انقلاب عسكري في العراق على غرار ما جرى في مصر ،مستندين  بذلك على جملة حقائق ملموسة للوضع المتردي في العراق الذي يدور في حلقة مفرغة من المحتوى المهني والمسلكي منذ عشر سنوات تقريبا …
ومن هنا نعتقد ان بناء تلك التوقعات ليست بمعزل عن ما يعانيه الشارع العراقي من خروقات امنية خطيرة في هيكلية تلك الاجهزة التي تتحمل جانب الكبير من المسؤولية القانونية ازاء ما يحدث كل يوم في العراق من عمليات ارهابية منظمة تنفذها مجاميع محترفة  في الاقتحام والتدمير ، وكانت آخرها الهجوم المنظم على احدى المؤسسات الخدمية في الفلوجة وراوة التابعتين لمحافظة الرمادي ، والذي اعطى مؤشرا واضحا ان تلك المجاميع لها موطئ قدم  وحاضنة آمنة تحميهم من المباغتة من قبل الحكومة وقواتها المدعومة بأحدث التقنيات  الهجومية والدفاعية ، والتي تشير الدلائل ان تلك القواتبقيت الى الان عاجزة عن مواجهة الارهاب رغم استمرارية عملياتها الخاصة بملاحقة تلك المجاميع الارهابية ، أو كشف مخابئهابسبب تواطئ أكثر من طرف مع الارهاب  بهدف زعزعة الاوضاع وخلق المزيد من الخراب والفوضى في البلاد….
لذلك فحين يتوقع البعض الاخوة من المحللين بحدوث شيء اسمه الانقلاب ، نحن نستبعد ذلك تماما في ظل قراءتنا للوضع السائد في العراق رغم بعض  التشابه للوضع  مع مصر ايام رئيسها المعزول محمد مرسي ، حين فضل ان يمهد لنفسه السبيل لبناء دكتاتورية ((سنية)) على حساب الشعب المصري المتنوع الاطياف والالوان والاديان والمذاهب  ، واستند على شرعية انتخابه التي جرت هناك وسخرها حصرا لطموحات حركة الاخوان ضاربا بعرض الحائط معتقدات وثقافات الاخرين من ابناء شعب مصر..
واليوم حين نقارن هذا الواقع في العراق وما حدث في مصر نجد انالفارق هو في الاختلاف المبدئيلطبيعة الاداء المهني للجيش هناك ، حيث ان الجيش المصري استبعد تماما عن السياسة وبقيت مهمته محصورة  في اداء واجبه العسكري ، والوقوف بوجه التهديدات التي تضر بالشعب باعتبار انه ملك للشعب وسور للوطن ، وبذلك فضل ان لا يكون ساكتا على ما يشنه نظام مرسي من تجاوزات بحق الارادة المصرية الحرة ،  و في حين يختلف اداء الجيش في العراق حيث تحول الى اداة سياسية بيد الاحزاب الدينية  السلطوية التي لا تعرف شيئا عن خصوصية الجيش بسبب قلة ادراكها لمفهوم الجيش الوطني ومهامه الوطنية  ، فراحت تعمل على فرض الشروط الخاصة حتى على تنسيب القادة والامرين على هذه المنظومة الدفاعية العسكرية  التي فقدت من جراءها العديد من خصائصها ومزاياها الوطنية ، بل وتحولت الى جيش للدفاع عن الاجتهادات الدينية والفكرية التي تصب  حصرا في مصلحة تلك الاحزاب واستراتيجيتهم الخاصة بالجيش خصوصا حين تم تحويله الى منظومة عقائدية ذات خصوصية مذهبية عير مسموح بتجاوزها ، وهذا يعني ان الجيش العراقي الذي تم اعادة بنائه بعد عملية سقوط النظام عام 2003 هو جيش غير متكامل الاضلاع ، وليس له امكانية الدفاع عن الوطن على اسس مهنية ، بدليل انه لم نجد للوزراء الذين  تبوؤا منصب وزارة الدفاع خلال فترة عشر السنوات الاخيرة تصريحا واحدا يندد بعمليات القصف الوحشية على كوردستان التي ترتكبها المدفعية التركية والايرانية  ضد المدنيين العزل ،  وتوغل قواتهما لمسافات كبيرة الى داخل الاراضي العراقية ، حتى ترك انطباعا لدى المواطن العراقي بان الجيش في العراق قد تحول الى ملكية خاصة لتلك الاحزاب والاطراف المتسلطة على مهنية هذا الجيش ، والتي تستخدمه الحكومة  في مهام لا ترتبط بمهامه الحقيقية …..
لذلك فان الانقلاب المحتمل والمزمع  حدوثه في العراق يبقى مرهونا بأصحاب الاهداف الوطنية الذين لم يستسلموا بعد للمغريات المطروحة في هذا الزمن الذي تشابكت خيوطه على اسس المذهبية والطائفية و فرضت نفسها على الواقع العراقي المنهار والمتردي الذي يترنح البلاد من جرائه تحت وطأة التحديات المتلاحقة والازمات السياسية الدائمة التي أثرت سلبا حتى على الحياة الاعتيادبة للمواطن بسبب عدم قدرة حكومة نوري المالكي من احتواءها  بصورة ترضي طموحات هذا المواطن ، وتبعد عنه شر الويلات والكوارث التي تجلبها العناصر الحاقدة على العراق عموما ،والذين يستغلون ضعف الاداء للأجهزة الامنية وفشل جميع الخطط والبرامج الخاصة بردع الارهاب والتي لم ترتقي الى مستوى التحديات بسبب تعددية الولاءات الناجمة عن ممارسة التحزب داخل الجيش و المؤسسات الامنية الاخرى  التي ابعدتها عن المهنية تماما ، وبات شغلها الشاغل لتنفيذ ما تريدها أحزابهم السلطوية المتنفذة منالعملية السياسية ……
اذن انه ليس ببعيد ان تشهد الاشهر القليلة المتبقية من عمر حكومة نوري المالكي الذي ينتهي فيها مدة ولايته لهذه الدورة بعض من المحاولات وهي يمكن ان نصنفها (بالانقلاب) لتعكير الاجواء لضمان عدم اجراء الانتخابات العامة في البلاد ، والتي ستقوم بها اطراف لها مصلحتها بإبقاء المالكي على سدة الحكم ، لتحقيق ما عجز عنه المالكي من تحقيقهخلال الفترة المنصرمة والتي تصب في مصلحة دولا اقليمية  التي ترى في بقائه ضمانا لمصلحتها في العراق ، خصوصا والازمة السورية بدأتتأخذ اتجاها معاكسا لكل التوقعات  ، بعد ان عجزت تركيا وقطر وسعودية من تضيق الخناق على نظام الحكم هناك الذي يحظى بدعم كبير من قبل روسيا والصين وكوريا الشمالية  ، فضلا من الدعم الايراني اللامحدود في وقت والاخيرة بدأت تفتح باب الحوار المباشر مع الولايات المتحدة الامريكية بخصوص عدة محاور مهمة التي تخص العلاقات بين الدولتين المتوترة  ، وكسرت به حالة الجمود مما انعكست حتى على المستجدات الجارية في سوريا ، ومهدت الطريق امام الحل السياسي للازمة السورية ، وسحبت البساط في ذات الوقت من تحت  اقدام الاطراف المسلحة المتعددة التي تعمل باتجاه اسقاط النظام هناك …
وعلى هذا الاساس نجد انه من الصعوبة ان يحدث اي شيء ما يسمى بالانقلاب في العراق ما دامت الويات المتحدة الامريكية هي القوة الداعمة لحكومة نوري المالكي الذي يحظى بدعم دولي واقليمي ، وان اي تفكير بأسقاط النظام السياسي في العراق عن طريق هذا الانقلاب المزعوم هو انتحار يكلف مدبريه اثمانا باهظة في ظل ولاء الجيش المنقسم بين الخاص والعام عموما وولاء قادته خصوصا لحكومة المالكي رغم كل المساوئ التي تتصف بها الحكومة  من ناحية الوضع الامني المتدهور ، وضعف  في قلة الخدمات المقدمة ، وتفشي الفساد وظاهرة المحسوبية و المنسوبية  في عمل كل مؤسسات الدولة التي تعمل بلا رقابة ولا مسائلة ، ناهيك عن الهدر للمال العام دون دون خطط اقتصادية مبرمجة التي اثرت سلبا على حركة العمران والبناء ، والذي سبب بظهور شبكات النصب والاحتيال من المقاولين واصحاب شركات وهمية تستولي على هذه الاموال في وضح النهار وتغيب عن الواجهة بدعم من اصحاب النفوذ والسلطة ، ولكن كل ذلك لا يشكل سببا ان تترك امريكا احدا ان ينال من حكومة موالية لسياستها وضامنا لاستراتيجيتها في المنطقة التي سخرت من اجلها كل امكاناتها الاقتصادية والبشرية ، بانقلاب عسكري مدبر تعود بالضرر على مصالحها المستقبلية ، لان الاوضاع السياسية السائدة تنذر بالمزيد من المخاطر في ظل  هيمنة بعض الحركات الاسلامية المتطرفة التي تعادي من حيث خطاباتها السياسية الوجود الامريكي والغربي في المنطقة ، ولهذا فان المؤشرات السياسية كلها توحي بان لا بديل للمالكي في الوقت الحاضر مهما تزايدت الضغوطات على حكومته ، ومهما حاولت كل الاطراف المختلفة مع نهجه السياسي العام لتشويه صورته وصورة حكومته  امام الراي العام ، والذي يشدد من قبضته يوما بعد يوم على كل  مرافق الدولة الحساسة ، بما في ذلك فرقته الذهبية الخاصة ذات عشرات الالوف من المدربين تدريبا خاصا ومميزا عن باقي صنوف الجيش ، والتي لا تستلم اوامرها الا من شخصه الوحيد الذي يتمتع بالسلطة المطلقة داخل الجيش وخارجه…….