28 ديسمبر، 2024 10:24 م

طال جلوسها امام المرآة حتى صارت جزء منها ، صورة لامعة ملتصقة في وجه المرآة يكاد وجهها ان يفقد الحياة ليصطف مع اصنام العرض في متاجر الالبسة والموضات او صور متلفزة ، حركة بلا حياة تخترق البيوت والاماكن والمقاهي بعيدة عن العالم الملموس، تحركت قليلا وعلمت انها حية ترزق وبدأت تتفحص التجاعيد كأنها تعد سنوات العمر كم ذهب وكم بقي لديها وكأن لسان الحال يهتف بشماته  (ذهب الشباب وليس من مهرب….) فتحت علبة التجميل الملقاة بشكل فوضوي وبدأت ترسم وجها كان لها من قبل ، تحاول ان تعيد الماضي وتهزم المحال وتهز اوتار الشباب من جديد .آه من السنين هي جبروت لا يقهر….!! وهل تقهره هنات صغيرة من اصباغ وحمر لم يعر الزمن لها انتباها ،بالطبع ، الانثى تواقة للتجدد والظهور بشكل يعكس ميثاق الجمال المعقود بينها وبينه بقسم الهي لا تنفك عراه الا بالموت…!؟
تراقصت الثواني والدقائق فوق ساعتي حتى اكتملت الستين ، نهضت وكأن الكسل مشدود بحبل بساقيها الممتلئين ، تجرهما جرا ، ارتمت في الكرسي الخلفي للمركبة بيضاء مثل كيس من الدقيق ، غيمة صيف صافية شفافة يبعث جيدها بريقا وكأنه يعاند العقد اللؤلؤي الملفوف حوله ويخاطبها بخباثة :
-” انا الاجمل …!؟”
عينان سوداوان مستديران بارزة الوانهمـا ، كرتان من ثلج رسمت في وسطهما بعناية  دائرتان بحبر اسود فاحم وهلالان تتسنم مقلها وقد صبغهما الليل بلونه حرصا وخوفا من حسد النجوم ، تليهما رموش كمسامير سومرية رسمت بحرفنة رسام فوق لوح انيق ابيض من صندل ، يدنو منهما جفنان رقيقان كورقتي تين ذبلت والت الى السقوط ، تدعوهما رموشها في كل غمزة للمرح فوق تلال مصقولة ، بدأ جليدها يذوب توا بحرارة انتهاء الربيع وقدوم الصيف ويعكس الماء البارق ضوء الشمس كي يبان خديها المشتعلان من بعيد  كثريتين قد ارتوت من كرع الضوء بثمالة حتى صار الضباب ، الهارب من خيوط الفجر المتلألئ كأسلاك من ذهب ، يفور من افواهها وتتراقص اسفلهما زنبقتين حمراوين تكشف عن صفين من المرجان المثلج ، سطرين من حجاج بمحارم الحج البيضاء قد اصطفوا للسجود في صلاة المغرب حين صبغ الشفق بحمرة الغروب المصفرة قليلا ، قوام يحاكي غصن بان يتلوى تحت فستان ابيض يضيق قليلا في خصر يتوسطه حزام  كخاتم يطوق اصبع عروس ليلة زفافها….!؟
وانا سابح في هذا النعيم الجامح تمتد احاسيسي الجسرة لتلامس غباوة الرجال فقد وسعوا الخطى  بديلا من تزاحمهم في السباحة في اثير تلك  الدنيا الفارهة حد الان…!
_ ”  السوق المركزي من فضلك…!”
لهيب من انغام ساخنة باردة لفحت وجهي وهي تعد الحروف عدا بنغمة موسيقية تسرق القلب وتستقر في الوجدان وتنقض عليه وتسفك ما تبقى من دمه بين شفتيها اللامعتين بحمرة قرمزية صنعها الاله وابدع فيها…! وتحركت وعيناي منقسمتان بين المرآة العاكسة والطريق فلا استطيع استصغار احدهما شتاتا فكل منهما لو تنازل عن موقفه فهو خسارة لا تعوض ،الاول خسارته حياة والآخر حلم….! جاهدت كثيرا وصرفت  طاقتي هدرا بكرم واسراف حتى لاحت بوابة السوق المركزي اخيرا ، استأذنتني الدنيا دقائق وصدق وعدها وخرجت مسرعة و باقة زهور ثم امتلأ مكانها عبق عنبر من جديد وعاد الحلم الى مثواه الاخير تحت سكين حاد من يدي نغم آخر :
“للمطار من فضلك…..!؟”
تلعثمت قليلا وكأني نسيت الطريق فوجهتني كلمات خرجت بلحن فيروزي يدفع دفعا بخيوط ذهبية من نور ابتسامة اشرقت فيها شمس محيا :
” خذ نفس الاتجاه  فالمطار امامك بمسافة قليلة…!”
تلقيت السهم القادم المحاط بسيل انغام اسطورية وانا شبه نائم وكأنني معتوه تاه في الزحام ، دقائق بحساب الاصابع وانا في بوابة المطار، خلعت المركبة وزهورها تتفاتن مع اصابعها جمالا ثم اسرعت وهي تحث الخطى ، اختفت برهة ثم عادت وذراعها يتأبط من يكافئها هيبة ورصانة ، فاره في الطول بهي في الطلعة يحمل حقيبة دبلوماسية ، حيياني بادب دبلوماسي ودلف خلفها المقعد الخلفي وانفلتت الكلمات الحنونة من عقدها وتطايرت الاشواق حتى بلغت المسامع فادركت ان طيرا بارح عشه يوما قد عاد لكي يملأ فراغا تركه الزمن عنوة و وقاحة ، كشفت كلماتي ، مع نفسي ، حيز الواقع حين قلت : “كل فولة ولها كيال…؟!”