لندع السياسة وعالمها القبيح ولنتجه صوب عالم أجمل ليس فيه كذب .. عالم تملأه المشاعر الصادقة والأحاسيس المرهفة ، والعواطف الجياشة ، والدموع الساخنة التي تعبر بحق عن وجدان المحبين ، وتعكس بشكل واضح نقاء أرتباطهم بمن يحبون .
اليوم سأروي لكم حكاية ليست من نسج بنات الافكار .. إنها من الواقع الجميل ، دارت أحداثها هنا في بغداد . بغداد الحب والجمال ، بغداد الفن والابداع والحضارة ، حكاية دارت أحداثها وأسدل ستارها في سبعينيات القرن المنصرم .. أرجو من الشباب أن يتدبروا ماسيرد فيها من معان ليزدادوا معرفة وخبرة ويطلعوا على الحب الحقيقي .. الحب الصادق الذي جمع بين القلوب برباط يعجز عباقرة الوصف عن وصف معشاره ! ، مثلما يعجز الدهر عن فصله ، لذلك سأدع حمام الدوح يغرد طربا . ويشدو ماشاء حجازا أو صبا !!.
ذات يوم بهي كنت ماشيا في شارع الحب ، شارع أبي نؤاس ، حينما كان قبلة للعشاق ، متوجها صوب جسر الجمهورية ، وقد أخذت الشمس بالميلان ناحية الغرب رويدا رويدا كأنها تمشي الهوينا بمنظر يسلب الألباب ويسحر القلوب .. فتبارك الله أحسن الخالقين ! .. أثناء سيرى ، وقبل أن أنعطف يمينا ، سمعت صوتا شجيا ساحرا قادما من جهة نهر دجلة الخالد .. صوتا يأن بألم جميل ! وعذب .. مرددا ( لطور جبير الكون ) خالد الذكر .. إقتربت من مصدر الصوت شيئا فشيئا وأندهشت حين رأيت شيخا بهي الطلعة حلو المحيا جالسا بين أغصان الشجر ودموعه تجري على صحن خديه ! أحسست أنها تفور فورا يحرق الخد حره ! .. عند إقترابي أكثر وقفت دون حراك محترم لخصوصيته ومستمع للمزيد من ( طور جبير الكون ) الذي كنت أعشقه – وما زلت- فسمعته ينشد سحرا عذبا رقيقا رخيما : الصبا كوطر بعد ماينفع نداماي ، وتظن يلين الجاسي ندى ماى !؟ يشامت سكنوا الغبرة نداماي شبقه عندي وبعد تنشد عليه ؟!
أقسم بشرفي إنني لم أستطع حبس دموعي وأجهشت با لبكاء دون وعي مني ، وكنت آنذاك لم أتجاوز الثالثة والعشرين من عمري ، أحسست إن الأرض إهتزت تحت أقدامي فجعلتني أترنح ذات اليمين وذات الشمال .. من رآني حسبني سكرانا ، وما أنا كذلك ، !! أقتربت من الشيخ فألقيت عليه التحية ، وطأطأت رأسي إحتراما لشيبته فطبعت قبلة على جبينه ، ثم جلست استمع ! ، وقد شاح بصري نحو ( زجاجة ) من الخمر قد إرتشف منها ما لا يستهان به ! فأبعدتها عنه وبادرته القول : لم سكت ؟ هيا أكمل .. نظر لي بأستغراب .. ثم هز
رأسه وانشد يقول 🙁 جرى دمعي مثل يذبه وعالي وحتى النايم الونتي وعالي ، ضاع الوصل كمت أنهت وعالي ، الوصل شيفيد من تدنه المنية ؟ ) .. قلت له : حبا بالله ! توقف ! لايمكنني التحمل ! هلا أخبرتني بحكايتك ؟ .. نزلت دموعه تارة أخرى ، فأحسست أن نياط قلبه سيتقطعن ! فقلت له : عجيب ! سألتك الله ان تكف عن البكاء ! ، فليس هناك شيئ في هذه الدنيا الدنية يستحق كل هذه الدموع الغالية ! ، نظر الشيخ
بوجهي ثم قال : ( وليدي بعدك زغير ما تعرف شي ) !! ، صدقت ! أنا لا أعرفك ولم أعرف ما الذي أنت فيه ، لكنك تعاني من شئ ما تخر منه الجبال ! .. قل لي علي أستطيع المساعدة ، فأن كنت بحاجة للمال أعطيك أياه ، وإن كنت بلا مأوى شا ركتك غرفة نومي ! .. أقترب الشيخ مني فطبع قبلة على جبهتي وقال : بوركت ، عافاك الله ، وضع يده في جيبه وأخرج حزمة كبيرة من المال فقال : أهذه الوريقات تحل مشكلتي ؟ لا والله إنها سبب بلوتي ، لست بحاجة للمال ولا للمأوى إنما لصديق أشكو له همومي بعد أن ضج أصدقائي مني لكثرة بكائي ! فلم يعد لي صديقا واحدا وليست لي القدرة على التحمل أكثر ! .. قاطعته بسرعة : أتقبلني صديقا لك ؟ فأجاب : ( ياريت ) ! بكل سرور تفضل هات ماعندك ( يتبع )