“وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار”.من قال -وأصر على القول- ب: أن عملية تبديل الوزراء وتغييرهم بهذه الطريقة تحت مختلف الذرائع والمسميات هي الحل الأمثل والأنجع لعملية الاصلاح، من قال هذا؟، قالوها: ويكأن هؤلاء هم سبب مشاكل العراق وتداعياته، وأن في تبديلهم البلسم الذي سيحول العراق إلى ما يشبه نظام المدينة الفاضلة في جمهورية افلاطون، والحقيقة هي ليست كذلك، لأن فيهم من كان كفوء، وفيهم من كان نزيها، ومنهم من كان مظلوما، ولأن نظام الحكم خطط له على مدى عقد ونيف من السنين أن يكون على هذه الشاكلة من الفشل الذريع والفساد العميق والترسيخ الكؤود، فإقالة الوزير وتبديله بهذه الطريقة هو الفساد والإفساد بعينه، وهذي هي الطامة الكبرى عندما يصلح أبناءك الفساد بالفساد…يا وطني يا عراق!!، وماهي إلا كيد ومكر لإفتعال الأزمات الغرض منها حرف بوصلة الجماهير عن أهدافها وإلهائها عن ممارسة دورها في المطالبة بالاصلاحات.
من رأيي البسيط أقول: أن هذه المعالجات ما هي إلا محاولات صورية سطحية احتوائية ترقيعية مدبرة لا تعدو عن كونها مضيعة للوقت وللجهود، وحالة من حالات احتواء غليان الشعب وغضبه والضحك عليه، والإلتفاف على ارادته وتطلعاته، وحالة من حالات التخبط وذر الرماد في العيون، ليس إلا. فالخلل هو ليس بالوزير فحسب إنما الخلل بالعملية السياسية وبطبيعة نظام الحكم برمتيهما وبعمقيهما، وبطبيعة التشكيلة الخاطئة لمؤسسات الدولة الحكومية الخاوية التي تتأثر بسرعة البرق بتداعيات الفساد وامتداداته. فمؤسسات الدولة من أول لحظة من لحظات السقوط في 2003 بنيت على أساس مبادئ القومية والطائفية والمحاصصة والحزبية والمحسوبية والحيزية الضيقة، وعلى أساس تصفيات الحساب والتشفي والثارات، لا على أساس مبدأ “التعايش والتعاون والتعارف” وعلى مبدأ “الوطن الواحد للجميع”، ووضع”الرجل المناسب في المكان المناسب” ومبدأ “الله الوطن الشعب” ومبدأ “يوم المرحمة” أو مبدأ “اذهبوا فأنتم الطلقاء” لقطع بوادر إثارة الفتن والتمرد المسلح الفوضوي.
صحيح أن الدولة كانت تحمل في جعبتها ارث ثقيل من مخلفات الماضي وترهات النظام السابق من التمييز العنصري والطبقي والمكوناتي والمناطقي لكن هذا لا يعني ابدا التفريط بالعدالة الإجتماعية والسلم الأهلي والأمن المجتمعي العام، والحفاظ على إقتصاد الدولة وبنيتها التحتية، أو التفريط بالهوية العراقية وبثوابت ومسلمات الأمة والوطن باي حال من الأحوال.
فهكذا رعرعت تلك القيم والمبادئ في بعض العقول والضمائر القاصرة لتترجم إلى حالة من حالات الاحتراب الطائفي والمكوناتي في الميدان والى إحتراب محاصصاتي وكتلوي ومحسوبياتي في أروقة الدولة ومؤسساتها الحكومية والتشريعية والاستشارية، حتى تطور الأمر ليتحول وبطريقة العدوى إلى تناحرات وانقسامات وتوترات شيعية-شيعية بعد إنقسام البرلمان واقتحام الخضراء، ونخشى ما نخشاه آن تمتد هذه الموجة إلى الشارع الواحد والعائلة الواحدة.
هذا وقد بذلت أمريكا قصارى جهدها ومضت بأن أنفقت ملايين الدولارات لانتاج هكذا مؤسسات متداعية في دولة خاوية مفعمة بعملية سياسية خاطئة اوصلت البلد إلى هذا الحال المؤسف المبكي.
وعلى ابطال اللعبة من بعض السياسيين المتصدين في حال أن يكفروا عن اخطائهم ويمحوا ذنوبهم-وهذا محال- لتلافي لعنة الشعب المظلوم عليهم أن يقتلوا أنفسهم أو ينتحروا انتحارا جماعيا، فلا الإستقالة ولا الإعتزال كفيلان بتطهيرهم من خطاياهم التي إقترفوها بحق الوطن والشعب، ولا التداخلات القضائية والقانونية تطهرهم من تلك الخطايا مالم يوفقوا بالتوبة الى الله توبة نصوحا حتى يرضى عنهم الله ويرضى عنهم الشعب.
فالعملية السياسية فاشلة بامتياز ولا يختلف اثنان على هذا قط من حيث أن العملية السياسية ومؤسسات الدولة المنبثقة عنها ما استطاعت أن تصلح نفسها بنفسها، وما استطاعت آن تنجب شخصا اصلاحيا يأخذ على عاتقه انجاز الاصلاح وتخليص الأمة من التهاوي والنكوص، كما ولحد هذه اللحظة لم تتمكن من صناعة شخصية أو رمز عراقي يحاكي الحاضر والمستقبل، ويحاكي العراقيين ويعبر عن رؤاهم وتطلعاتهم في العيش الأمن الكريم، ويحاكي مكوناتهم ويوحدهم بقاسم مشترك واحد ويصفهم بعنوان عراقي واحد يمثل الجميع، ناهيك عن انها ما استطاعت أيضا من انجاز مواقف وطنية قد يصبوا العراقيون لها على انها من منجزات هذه المرحلة، بل العكس هو الصحيح من حيث انها جلبت للعراق والعراقيين الكوارث والويلات والنكبات والأزمات والمصائب والمحن والتي تتسارع مضاعفاتها بالمجتمع العراقي بشكل تصاعدي ويومي، وأثبتت فشلها الذريع في جميع المستويات والصعد، وعلامات هذا الفشل تبدو واضحة للعيان من خلال وجود بعض الظواهر أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:ظاهرة هيمنة المكونات والكتل والأحزاب والقبائل والعشائر على القرار السياسي المستقل المرتبط بأجندة خارجية واقليمية بعيدا عن سيطرة الدولة وسطوتها، أشبه إلى حد ما بتواجد مجموعة دول متناحرة داخل دولة ضعيفة واحدة، “وهذي علامة فارقة من علامات الانفصال والتقسيم الذي ترومه دول الاستكبار العالمي الراضخة للصهيونية للعراق”، وظواهر أخرى متلاحمة أنهكت العراق وكسرت شوكته وأذهبت هيبته وسيادته الا وهي، غياب الأمن واستنفاذ طاقات العراق البشرية والمادية بالاحتلال والتفجيرات الشبه يومية، فضلا عن ظاهرة الأزمة الاقتصادية والوعيد بالإفلاس لا قدر الله.
إذا ارادوا الاصلاح والتغيير كحقيقة دامغة على أرض الواقع بعيدا عن الألفاظ البراقة والشعارات الكاذبة ومسرحية تبديل الوزراء، فعليهم بتحقيق العدالة الإجتماعية ورعاية القضاء المستقل أولا وعرض جميع من سولت له نفسه ممن ركب موجة الفساد على القضاء النزيه وإعادة جميع الأموال المسروقة، واقالة الرئاسات الثلاث وتشكيل حكومة طوارئ تأخذ على عاتقها اجراء انتخابات مبكرة وفق دستور جديد وتطهير المؤسسات الحكومية من الفاسدين، والأمر الثالث إلغاء الدستور الحالي وتبديله بدستور أو تعديله بعيدا عن الصفقات والمزايدات السياسية ودون تدخل أي من الأطراف الخارجية. أو القبول بمواجهة الاحتمالات الاخرى التي قد تودي بالبلد إلى مصير مجهول، منها “الغليان الشعبي المهول والثورة العراقية البركانية الكبرى التي قد تحرق الأخضر واليابس أو قد تدخل العراق في حرب أهلية طويلة الأمد”.
ختاما فإن التغيير الشامل والاصلاح الناجز لا يتوقف على شخص رئيس مجلس الوزراء السيد حيدر العبادي، لأنه لا يملك عصا موسى فيقول للشيء كن فيكون، بل نحتاج لمشاركة وتظافر جميع الجهود المكوناتية والقومية والقوى السياسية والمجتمعية والمؤسساتية والأكاديمية العراقية بعيدا عن التدخلات الخارجية، وان تكون تلك الجهود ممنهجة بخارطة طريق واضحة ونكران الذات، وبأدوار متبادلة من قبل الجميع كل من موقعه، مع ملاحظة مأسسة المؤسسات الوزارية الحكومية مجددا وعزلها عن المناكفات السياسية وعدم السماح لها بممارسة العمل السياسي البتة.والله ولي التوفيق.
“تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ