20 أبريل، 2024 11:14 ص
Search
Close this search box.

ومن شر حاسد..

Facebook
Twitter
LinkedIn

صديق من الميسورين ينوي جلب بعض الحاجيات من تركيا لبيته الجديد. لعدم إجادته التركية تماماً طلب مني المساعدة في التحدث إلى صاحب الشركة. اتصلنا وقد قمت بإفهام صاحب الشركة بالمطلوب. صاحب الشركة هذا يسأل عن كل صغيرة وكبيرة لغرض الحصول على المعلومات التي سيعتمد عليها في تحضير تلك المواد. عندما بدأت التحدث له عن الطابق الثاني من البيت والسطح سألني: هل أنتم تبنون عمارة أم بيتاً واحداً؟ فقلت له بيتاً واحداً طبعاً.
إنه يتصور أن البيت كما هو لديهم يتألف من شقة صغيرة في طابق داخل عمارة. لكنني أوضحت له بأن البيوت لدينا مختلفة، حيث أنها مستقلة وبأكثر من طابق واحد وله حديقة. أعرب الرجل التركي هذا عن إعجابه الشديد بالبيوت التي عندنا وقال أنه يتمنى أن يسكن في هكذا بيوت. قال كم أتمنى أن تكون لديّ حديقة أهتم بها وسطح بيت أجلس فيه ليلاً على ضوء القمر في بيت خاص بي. آه يا له من شيء جميل وقال أنتم محظوظون جداً. بدء الرجل يلعن حضه العاثر، لأنه ليس في العراق ويسكن الأن في شقة لا تتجاوز مساحتها 120 متراً مربعاً وأنه لا يملك حديقة وموقف سيارة وسطح رحب.
أمّا عندما علم بأن في بيوتنا موقفاً خاصاً للسيارات ومرآب كبير يسع لأكثر من سيارة أحياناً، جن جنونه وقال أنكم تتمتعون بنعمة كبيرة وبلدكم جنة وبدأ يتحدث ويتحدث. حتى تمنى أن يتمكن من العيش معنا في العراق وأن يكون له بيتاً بمساحة 200 متر فيه حديقة وموقف سيارة وسطح منعزل يتمكن من خلاله مشاهدة النجوم في ليل حالم.
الحقيقة خشيت كثيراً على بلدنا وعلى أنفسنا من أن نصاب جميعاً بالحسد من عين هذا الرجل. خفت من أن نخسر كل ما نملك وهذا الرجل يتحدث بكل حسرة ويقارن بيوتنا الكبيرة مع بيوتهم الصغيرة. أخبرت صديقي بندمي الشديد لما دار بيني وبين هذا الرجل بخصوص النعمة التي نعيشها وهو فاقد لها. أصبح الرجل يحلم في العيش معنا في العراق وبدأ يبحث عن طريقة للحصول على الإقامة وحتى الحصول على الجنسية العراقية. لا سيما وأنني لم أتطرق معه قط إلى موضوع الحر الشديد الذي يبلغ حتى 60 درجة. ولم أخبره كذلك بأن مدينتنا ليست فيها كهرباء. ولم أخبره أيضاً بأن المستشفيات تقتل الإنسان بدل علاجه. لم أتناول معه في الحديث موضوع المدارس ومستويات التعليم المنهارة. ولم أعرّفه بحالة الشوارع التي يرثى لها. لم أقل له بأننا في كركوك منبع النفط نقف في طوابير تصل إلى عدة كيلو مترات تحت لهيب شمس محرقة لنحصل على عدة لترات من البنزين. لم أخبره أبداً بأن العطالة في بلدنا بلغ مبلغاً مخيفاً. لم أدعه يعلم بأن في بلدي طبقات تحصل على الملايين شهرياً دون كد وعمل وطبقات لا تجد ما تأكله. احتفظت بموضوع الجوع والناس التي تبحث في القمامة. لم أخبره عن العامة التي تنتظر الحصة التموينية وعطف الدولة. لم أخبره بأننا نعيش تحت رحمة حكومة لا تنصفنا. لم أنقل له صورة الأطفال الذين يجمعون قناني المشروبات الفارغة في المزابل. لم أعطه فكرة عن التصحر وعدم وجود شجرة نستظل تحتها تمنع عنا أشعة الشمس. انتابني واجس الخوف من الحسد وأنا لم أخبره أن في العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ. كما أخفيت عنه قول السّياب:
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجَرادْ
وتطحن الشّوان والحجرْ
رحىً تدور في الحقول… حولها بشر

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب