18 ديسمبر، 2024 10:04 م

ومن الجهل ما قتل وهدم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

ومن الجهل ما قتل وهدم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

في 10 نيسان2022 قامت قوة أمنية ولائية صدرية بإعتقال (علي موسى كاظم المسعودي) وهو خطيب جامع الفتح المبين ويعود الى السيد حسن الصرخي، جريمة الخطيب انه القى خطبة طالب فيها بإزالة قبور الأئمة، وتم الإعتقال بعد تغريدة لصاحب مشروع الإصلاح مقتدى الصدر هاجم فيها جماعة المرجع الشيعي محمود الصرخي، وجاء في البيان الصدري ” نرفض العقائد الفاسدة، في المجتمع”. وأمهل الصرخي ثلاثة أيام للتبرؤ من دعاة تهديم القبور. ولا نعرف على أي أساس أعطى هذه المهلة، فهل الصدر صاحب منصب حكومي مثلا ليصدر قرارا مثل هذا؟ ان كانت بداية الإصلاح هكذا يصدق المثل العراقي” لا حصل الركاع من ديرة عفج”، وقصة المثل ان اسكافي فتح محلا في قرية عفج، ووجد بعدها ان الناس فيها لا يلبسوا الأحذية فغالبيتهم يمشون حفاة.
المشهد الأول
لنعود بالذاكرة قليلا الى الوراء ونستذكر حدثا مهما في تأريخ العراق الإحتلالي بعد عام 2003 وقد حصل في جامعة الكوفة عام 2018 تحت عنوان محاكمة الخليفة الأموي هشام عبد الملك، وكان أميرا للمؤمنين للفترة 105ـ 125 هـجرية. والطريف في هذه المهزلة التأريخية انها تمت من قبل نقابة المحامين العراقيين، التي تركت الحاضر الفاسد لتتهم بالماضي المشرق، أما جريمة هشام بن عبد الملك فهو ان قتل زيد بن زين العابدين الذي خرج عن طوعه، وقتله وفقا لحديث وسياق عمل جده علي بن ابي طالب، الذي قاتل من خرج عن طاعته كأمير للمؤمنين كالخوارج مثلا، وفقهاء المذهب، قال الطوسي” يجب قتال من خرج على إمام عادل”. (التذكرة1/454). وسموهم الشراة” هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي في حرب صفين”. (هامش مناقب آل أبي طالب لإبن طاووس1/3). ولو افترضنا ان هشام بن عبد الملك غير عادل، فإن علي بن أبي طالب يقول” لابُد للنّاس مِن اميرٍ برِّ او فاجر”. (شرح نهج البلاغة للبحراني2/103). (التفسير المبين لمغنية/439).
تكونت المحكمة الهزلية من ثلاثة قضاة شيعة ومدع عام شيعي، ومحامي شيعي الدفاع، كل هؤلاء لنمضي معهم، لكن الأكثر طرفا هو حضور المجني عليه، ليس روحه من خلال إستحضار الأرواح وأعمال السحر او المعاجز المزعومة، بل بشخصه. الأدهى من هذا هو الشهود المستحمرين الذين قدموا شهادات في المحكمة، وهم الأستاذ الجامعي (حسن عيسى الحكيم)، والمعمم الدجال (مهدي الحكيم)، والصحفي الأجير (حيدر حسن الجنابي).
قام المجني عليه بشرح مظلوميته وأسباب خروجه عن طاعة أمير المؤمنين، وكيف تعرض الى القتل والحرق، وحضر الواقعة شهود عيان أكدوا مظلومية المجني عليه، وسُمعت أقوال محامي الدفاع عن المتهم، وصدر الحكم التالي” الإعدام شنقاً حتى الموت بحق المدانين هشام بن عبد الملك، والوليد بن يزيد بن عبد الملك، ويوسف بن عمر والي العراق، والحكم بن الصلت أحد القادة العسكريين في الجيش الأموي”، وأسدل الستار على الكوميديا المملة، وغادر الجميع قاعة المحكمة بما فيهم المجني عليه والشهود الثلاثة الذين شهدوا الواقعة التأريخية قبل اكثر من ثلاثة عشر قرنا، وهم سعداء بكسبهم القضية. ولأن المتهم حُوكم فلا بد ان تقوم نقابة المحاميين بالطلب من وزارتي الداخلية والأمن الوطني بتعميم أسماء الجناة على السيطرات والمنافذ الحدودية على الرغم من شنقهم، وهذه من مهارات القضاة وحسن عقلهم وتدبيرهم، فربما الجسد أعدم، ولكن لابد من ملاحقة أرواح الجناة، فقد تلوذ بالفرار بعد شنق الأجساد، ولله في خلقه شؤون!
كما أن الأرواح خاضعة الى المادة،4 إرهاب في القانون العراقي، لذا توجب على المخبرين السريين متابعتهم ورصد حركاتهم. وكتابة مذكرة لهيئة الأنتربول الدولية لإلقاء القبض عليهم، في حالة هروب الأرواح الى خارج العراق، ستتم مناشدة دول العالم المسيحي بعدم اعطاء الأرواح المجرمة حق اللجوء السياسي. وتزويد المحكة الجنائية الدولية بنسخة من المذكرة، مع ان العراق ليس عضوا في المحكمة، ولكن الحذر يقي من الضرر.
بعد تسليط الضوء على هذا الجانب التأريخي المهم ليعرف أخوتنا في الإسلام ومن العرب وغير العرب التطور العقلي والتقني والمعلوماتي الذي وصلت اليه نخبة من المفكرين وأساتذة الجامعة والقضاة والمحامين والإعلاميين في العراق، ومدى فائدة مراكز المعلومات والدراسات في تقديم الأفكار البناءة لتنوير المجتمع وإصلاحة، وضرورة الرجوع الى تأريخنا الجميل لإستظهار الصفحات الزاهية وقيم الإسلام والعروبة، وإعطاء الغرب صورة مشرقة للحضارة الإسلامية، ومآثر الأجداد العظام. وتنوير العالم الإسلامي عن الدين الشيعي الذي يستلهم دروس الماضي ويطبقها على الحاضر، وهذا جزء صغير مما يحصل، لذا على دول العالم ان تستفيد من هذه المحكمة، وان تعود إدراجها الى العصور القديمة لمحاكمة الجناة، ويبدأوا من جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل ولحد اليوم.
وربما تشهد جامعة الكوفة مستقبلا محاكم أخرى تتعلق بمحاكمة ابي بكر وعمر رضي الله عنهما لإغتصابهم الخلافة من علي (رض)، وأم المؤمنين عائشة (رض) في معركة الجمل، وأمير المؤمنين معاوية عن حرب صفين، والخوارج، وأهل الكوفة لخذلانهم الحسن والحسين، وإكمال هذه المحاكمة بجزء ثاني يتعلق بمحاكمة الشيعة الذين تخلوا عن زيد وخذلوه، فهم ايضا يستحقوا المحاكمة. أما جرائم الحاضر فيمكن تأجيلها الى (13) قرنا قادما، حسب الأهمية.

المشهد الثاني لمسرحية قادمة
جاء في بيان مقتدى الصدر زعيم مسيرة الإصلاح الموعد (في المشمش)” نرفض العقائد الفاسدة، في المجتمع”. وأمهل الصرخي ثلاثة أيام للتبرؤ من دعاة تهديم القبور”.
المسرحية الصدرية القادمة ستجرى في محكمة الكوفة ايضا او في الحنانة مقر إقامة مقتدى الصدر وتتعلق بمحاكمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ـ معاد الله ـ والخليفة الرابع علي بن أبي طالب، على إعتبار ان الأول هو المخطط، والثاني هو المنفذ للمؤمرة على الشيعة، والمجني عليه علي السيستاني والفياض والبشير وبقية المستفيدين من زيارة العتبات الشيعة والخمس، والمدعي هو مقتدى الصدر، ومحاموا الدفاع كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى ومصادر الشيعة الرئيسة. وأصل الدعوى” رفض العقائد الفاسدة، في المجتمع، والأبقاء على الأضرحة والقبور”. المدعي عليه الخطيب الصرخي (علي موسى كاظم المسعودي). والشهود شيوخ الشيعة الكليني والطوسي والمجلسي والعاملي، وهم من أصحال المصادر الرئيسة الثمانية للشيعة.

اولا: كتاب الله وسنة تبيه
قال تعالى في سورة التوبة/84 (( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ )). وجاء في الحديث النبوي الشريف” اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”. (أعيان الشيعة11/105). (الإنتصار للعاملي5/152).
وروي عن جندب بن عبدالله قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم)، قبل أن يموت بخمس وهو يقول” إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبابكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد! فإني أنهاكم عن ذلك!”. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): لا تجعلوا قبري عيدا”. (في ظل أصول الإسلام لجعفر السبحاني/208). وذكر المجلسي” قال امير المؤمنين علي (ع): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا قبوركم مساجدكم، ولا بيوتكم قبورا”. (بحار الانوار79/55). (مستدرك الوسائل للطبرسي2/379). وقال احمد النراقي” في مرسلة الفقيه، قال النبي (صلى الله عليه وسلم). لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فإنّ الله عزّ وجلّ لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة. هذا كلّه في غير قبر المعصوم، وأمّا فيه فلا ينبغي الريب في مرجوحية استدبار”. (مسند الشيعة4/437). (مرسلة الفقيه1/114). (وسائل الشيعة5/161). وقال الكليني” عن أبي عبد الله (ع)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، نهى أن يُزاد على القبر تراب لم يخرج منه”. (فروع الكافي3/203).

ثانيا: شهادات أئمة الشيعة
ذكر الحر العاملي” عن أبي عبد الله قال: قال الإمام علي ” بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في هدم القبور وكسر الصور”. (وسائل الشيعة 2/870). وآخر” عن أبي عبد الله (ع) قال: قال الإمام علي” بعثني رسول الله عليه (صلى الله عليه وسلم)، إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلاً محوتها، ولا قبراً إلا سويته”. (وسائل الشيعة 2/869). ذكر الكليني” عن أبي عبد الله ” لما قُبض أمير المؤمنين (ع) أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران، حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن إيمانهم ثم أخذوا الجُبّانة حتى مروا به إلى الغرى، فدفنوه وسووا قبره فانصرفوا”. (أصول الكافي1/458). لاحظ العبارة ” سووا قبره”، بمعنى إندرس ولم يبقَ له معالم واضحة. وذكر الحر العاملي” قال جعفر الصادق (ع)” كلما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت”. (وسائل الشيعة 2/864).

ثالثا: شهادات مؤسسي الدين الشيعي
ذكر شيخ الطائفة الشيعية الطوسي” يكره تجصيص القبور والتظليل عليها والمقام عندها وتجديدها بعد إندراسها، ولا بأس بتطييبها ابتداء”. (النهاية/44). لكن بدلا من تطيينها قاموا بتذهيبها يا شيخ الطائفة! روى الكليني” عن العدة ن سهل عن ابن محبوب عن يونس بن يعقوب قال : لما رجع أبو الحسن موسى (ع) من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة بفيد فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر”. (الكافي3/202). وقال الشيخ الصدوق” عن حمزة العلوي عن عبد العزيز الأبهري. عن محمد بن زكريا عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه: قال : نهى رسول الله (ع) أن يجصص المقابر ويصلى فيها”. (أمالي الصدوق/253).وقال الشيخ الطوسي” عن علي بن جعفر (ع) لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس عليه ولا تجصيصه ولا تطيينه”. (التهذيب للطوسي1/130). (بحار الأنوار للمجلسي82/38).
قرار المحكمة
بعد إطلاع المحكمة الشيعية على حيثيات الموضوع، والإستماع الى محامي الدفاع وشهادات الشهود، تقرر رفض الدعوى وبطلانها، وإطلاق سراح الخطيب الحسيني (علي موسى كاظم) وبرائته من التهمة الموجهة اليه، وتحميل المدعي مقتدى الصدر كافة النفقات المترتبة على دعواه.

كلمة أخيرة لصاحب مشروع الإصلاح
لقد حُرمت من الصلاح وليس لمشروعك من فلاح، أنك تجهل يا حجة الله الذكر الحكيم والسنة النبوية الشريفة، ولا علم لك بأحاديث كبار مؤسسي دينك، أو انك لا تلتزم بشرع الله ورسوله، وتصر على الباطل.
لذا بقى أمامك يا حجة الله ـ على الجهلة والمستغفلين ـ أما الإصرار على موقفك وتعنتك، وضرب ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأحاديث أئمتك (ع) وأقوال علمائك الثقة عرض الحائط، او الإعتذار عما قلته وسحب الدعوى والمهلة التي لا تتوافق مع الشرع والقانون والعقل والمنطق. ولك الخيار يا صاحب مشروع الإصلاح!
أقول: في بلد يُحكم بالتغريدات المرتجلة، والبيانات الصبيانية، لا يمكن ان يُصلح ولا ان يفلح. قال تعالى في محكم كتابه العزيز، سورة الأحزاب/67 (( وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلَا۠)). صدق الله العظيم.