رجل ناهز السبعين من العمر التي أستهلكتها السنوات العجاف السابقة التي عاشها كموظف بسيط في أحدى دوائر الدولة تحيط به جدران غرفته الصغيرة المطلة على شرفة صغيرة تطل على الشارع وفي أحدى زواياها سرير بسيط تتجمع حوله كل حاجاته التي يقتات عليها تنتصب بجواره عصا غليظة أصبحت قدمه الثالثة التي يتوكأ عليها وفوق أحدى الجدران شخصت صورة لشاب أمرد ذو نظرت وأبتسامة بادية على محياها تدعو الى الاشراقة والبسمة والحيوية تذكره بالماضي الذي تركه ورائه وصندوق من الذكريات الخشبي تكدست فيه صور بالاسود والابيض تسطر أروع الأيام التي عاشها في رحلة عمره السابقة من شبابه ومتوسط عمره يجول بناظره في أركان غرفته لا أنيس ولا ونيس له في هذه الدنيا سوى الذكريات وجهاز الراديو الصغير المقرب له الذي يعرف من خلاله ما يدور من حوله من أحداث لا تعنيه شيئا التي منع منها مرغما يقتات على مائدة من الطعام البسيط التي تصنعها يداه المرتعشتان لسد رمقه وبقائه على على الحياة وفي الصباح توقضه زقزقة العصافير ونقراتها على زجاج نافذته حيث تتسور الأناء الذي وضع فيه بقايا طعامه ليلا ليشاركنه حياته ويؤنسوا وحشته ويبددوا سكون ورتابة حياته بعدما تركه الاحبة والأهل والأصدقاء في وقت هو في أمس الحاجة لهم ورفيقة غرفته تلك القطة الصغيرة الجميلة ذات الشعر الابيض الوفير تستأذنه كل صباح من خلال موائها الحزين وخربشتها على نافذته . فقد آن الأوان لهذا الجسد الخاوي أن يضع أوزاره ملبيا نداء الطبيعة والناموس الالهي والاستسلام للزمن أستعدادا للرحيل مختزلا أياها ببضعة أيام أو لحظات قصيرة ويستقبل مشيئة الله سبحانه وتعالى محتضنا ذكرياته وآلامه وحسراته تاركا ورائه ما قدمه من خير وعملا صالحا أو شرا لمنقلبه الاخير في رحلة أخرى قادمة طويلة الامل