كيف كانت الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قبيل سقوط بغداد على يد الاحتلال المغولي في اواخر الحكم العباسي وكيف تعامل الحكام العباسيون لمجابهة هذا الحدث وعاصمتهم تتعرض للخطر؟
كتب المؤرخون الكثير عن تلك الحقبة ولكن هل خفيت بعض الاحداث او قل هل تم اخفائها عمدا ..ولماذا ؟ .. هل قام اللوبي المهيمن والمسيطر على تخطيط الاحداث بإخفاء ما يريد عن الاجيال حتى لا يمكن ان تلتقط الأجيال الصورة الواضحة للاحداث لكي يتم تلافيها مستقبلا وذلك من خلال وضع اليد على المناهج الدراسية القديمة والحديثة والتي هي جزء من ثقافة المجتمع وتراثه !! ومن هم الذين قاموا باخفاء الاحداث وتغييرها وتبديلها وتزويرها وكيف مرت على الباحثين والمحققين سابقا.. ولماذا ؟ هذا ما سنطرحه من بحثنا حول هذا الموضوع المهم وهي على شكل حلقات او اجزاء ..
وتكمن اهميته في ارتباطه لواقعنا الديني والاجتماعي الموروث والمتجذر من خلال ادبيات الفرق الاسلامية المختلفة والمتمسكة بالموروثات وتقديسها في كثير من الاحيان بل عدم الخوض بها وكأنها من تنزيل السماء وخطوط حمراء لا يمكن الاقتراب منها وقليل هم الذين خاضوا هذا المضمار وكشفوا الوقائع وقاموا بتحليل الاحداث علميا وموضوعيا ووضع النقاط على الحروف وتميزوا بجرأة التحليل ودقة البحث ووضوح الادلة وقراءة التاريخ بصورة موضوعية ومعمقة ونظرة ثاقبة كما قام به السيد الاستاذ الصرخي الحسني في بحوثه التاريخية والعقائدية المتميزة وخصوصا بحثه الموسوم ( وقفات .. مع توحيد ابن تيمية الجسمي الاسطوري ) ..
في البداية .. سنبحث اولا هل ان احداث سقوط بغداد كانت مفاجئة وسريعة بحيث لم يعلم بها او يتهيأ لها الحكام العباسيون انذاك ام ان الاحداث جاءت نتيجة تداعيات وأحداث ووقائع سبقتها ونتيجة لعوامل موضوعية متراكمة ادت الى ذلك الذل والهوان والسقوط والانحراف ومن ثم انهيار النظام والدولة وحلول حكم الغزاة وتداعيات الاحتلال وما نجم عنه والذي ادى في النهاية الى الهزيمة المادية والنفسية للأمة وانهيارها وسقوطها في الحضيض ودخولها في نفق مظلم طويل لم تستطع الخروج منه او الخلاص والنهوض ..
ولكن .. حقيقة ان تداعيات هذا الانهيار ليست وليدة حقبة بني العباس بطبيعة الحال بل هي تداعيات سبقت ذلك بكثير , استطيع القول انها بدأت منذ رحيل النبي الاعظم محمد صلى الله عليه واله وما آلت اليه الاحداث في ذلك الحين من الناحية السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها من الجوانب الاخرى ..
انه موضوع طويل وشائك ومعقد ولا يمكن الخوض فيه قبل ان تقدم السيد الاستاذ الصرخي ليضع لنا الالية والطريق ويمهد لنا الكيفية في تناول صفحات التاريخ وما دوّن فيها وباسلوب علمي وموضوعي ينتهج الوسطية والاعتدال وبعيدا عن التعصب والتطرف والطائفية .. وسأقول مجددا انه لولا سماحة السيد الاستاذ وطريقة تناوله للاحداث والوقائع وطرحه الجرىء وبالادلة ومن ثم اثبات رأيه في القضايا المطروحة او تبنيه لرأي او ترجيحه لرأي على رأي اخر او موضوع على اخر كل ذلك منح الباحثين والدارسين ومنحنا نحن ايضا الثقة والقرار في البحث والتدقيق وخوض غمار تلك الاحداث والوقائع والتي اعتبرها البعض من الخطوط الحمراء والمقدسات كما اسلفنا فما طرحه مرجع ديني كبير ومحقق مغوار يتكلم ويطرح بكل ثقة واقتدار دعانا الى السير وفق ذلك والتحدث بذلك في وقت كان الكثير من الباحثين والمحققين السابقين لا يستطيعون البت والامضاء على كثير من تلك الاحداث وتلك الوقائع والاخبار وما احاط بها لفقدانهم الثقة بانفسهم وخوفهم وخشيتهم او لارتباطهم مع السلطة وحاشيتها او لميلهم الى طائفتهم او قوميتهم او عرقهم ..
ولكن ربما سائل يسأل .. لماذا الخوض في احداث ماضية ذهبت ولن تعود ولماذا تقليب صفحات ودفاتر عتيقة أكل الدهر عليها وشرب !! ما الفائدة والنفع في البحث فيها وتدويرها واعادة شريطها وتوثيقها من جديد !! وللجواب على هذا التساؤل اقول .. و في عدة مستويات ..
المستوى الاول : ان الاحداث المعاصرة التي تعيشها الامة لا تنفك ولا تنقطع ابدا عما حصل لها في السابق فهناك امتداد لها وما حصل في عصرنا الحاضر المتأخر هو نتيجة طبيعة لاحداث سابقة ومتقدمة ..
المستوى الثاني : ان الهزيمة النفسية والمادية لم تأت من فراغ بل هي نتيجة طبيعية ايضا لهزيمة سابقة ومتجذرة بل لهزائم كثيرة اسبابها في كثير منها تعود للامة نفسها ..
المستوى الثالث .. لا يمكننا فهم الحاضر اذا لم نفهم الماضي ولا يمكننا ان نفهم الاحداث المعاصرة وجوانبها اذا لم نفهم ونقرأ التاريخ بكل تفاصيله بتحقيق علمي وواقعي مدروس وغير متحيز ..
المستوى الرابع : اذا فهمنا الماضي لانتفاجأ او نستغرب ابدا بما يحصل من احداث معاصرة تكاد تكون مهولة واذا لم نفهم وقائع الماضي والتاريخ ربما نقع ليس في اخطاء تحليل الاحداث فحسب بل ربما نقع في اشر واعتى وادهى من ذلك هو الانحراف والضلالة والفساد وربما التخلي حتى عن هويتنا وحضارتنا ووجودنا بل حتى في فخاخ الالحاد والوثنية والجهل والفساد والتبعية بكل انواعه ..
المستوى الخامس .. من خلال تحليل الاحداث السابقة وتحديد معالمها ومعرفة نتائجها ومسبباتها تجعلنا امام الحقائق وتضاريس الاحداث السابقة والحالية وتعصمنا من الوقوع في نفس الاخطاء التي وقع فيها السابقون اسلافنا وربما ملافاتها ووضع الخطط اللازمة للمستقبل وكذلك يمكننا المقارنة والمقايسة بينها مع اختلاف الزمن والرجال ..
وهناك مستويات اخرى ثانوية تفيدنا في قراءة التاريخ كمنهجية نتعامل بها ونضعها بين يدي شبابنا وأجيالنا الصاعدة والواعدة ..
وقد استفهم المرجع الصرخي الحسني من ابن تيمية وأتباع نهجه في محاضرته العقائدية التأريخية رقم (35) من بحثه الموسوم ( وقفات .. مع توحيد ابن تيمية الجسمي الاسطوري ) فقال ما نصه :(تردد لسنين عديدة في كتابه آخر صفحة في تأريخ الإسلام ووجوده صفحة نعي الإسلام والمسلمين , وهذا النعي وهذه النهاية الواقعية المأساوية ذكرها ابن الأثير قبل ابن العلقمي , أو قبل توزير ابن العلقمي , أي قبل سقوط بغداد على أيدي المغول بما يقارب الأربعين عاماً أو أكثر, فماذا يقول ابن تيمية وأتباع نهجه في هذا المقام ؟!! فما علاقة ابن العلقمي في هذا النعي الحقيقي الواقعي للإسلام والمسلمين ؟!!(( فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) . الحج 46..