ومضات في أواخر الليل فرج والمرحوم

ومضات في أواخر الليل فرج والمرحوم

أبلغني حارس بنايتنا المدعو ( فرج ) بتعذر إنجاز العمل الذي كلفته به بسبب انشغاله هذا اليوم في تشييع أحد الأشخاص الذي لديه معرفة معه من خلال عمله معه في ترميم دار سكنه في منطقتنا، الذي توفاه الله – سبحانه وتعالى- يوم أمس في إحدى المستشفيات نتيجة إصابته بالسكتة القلبية.
فقلت له: الى رحمة الله ( إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون) ، مضيفاً ؛ بأن المشكلة لا تكمن في التشييع فقط ، فهذه من المهام البسيطة ! ولكنني سوف أذهب معهم الى المقبرة للمشاركة في الدفن، والتي تبعد أكثر من ثلاث ساعات عن مكان بيته، سوف أمضي النهار كله ولا أعود إلا بعد المساء أو قبل منتصف الليل .
فقلت له: لايتطلب منك الذهاب الى المقبرة – جزاك الله خيرا – معهم في التشييع أمام داره ووسط أهله وذويه، فأنت مجرد عامل على باب الله عملت في ترميم داره مقابل أجراً، دفعه لك، ومن سكنة المحافظات، دفعتك ضروف المعيشة الصعبة في التغرب عن أهلك والعمل هنا. إن المرحوم لديه عائلة وأقارب هم الأولى بذلك، ويقومان بالواجب، ففاجئني بالقول: إنني أريد أن أتعرف على المغسلجي والدفان لظروف ما وأخذ عناوينهم الدقيقة، ربما أحتاجهم في المستقبل بعد الفاتحة .
استوقفتني إجابته كثيراً ! ففكرت في موته قريباً لا سماح الله لمرض خطير يخيفه عني ، أو يتوقع موت أحد ذويه أو أقاربه قريباً، فقلت له: وما علاقتك بهذا التعارف المقبري الغريب .
أجابني بالقول، إنه يطلب المرحوم مبلغ (مليوني دينار) عن عمل أنجزه في بيته، ولا تعرف عائلته بهذا الدين، ومن المحتمل حين المطالبة لهم بذلك، يواجه بالرفض وعدم التصديق من العائلة، مضيفا لي: إنه على باب الله ، وبعرف علاقة المرحوم معهم سيئة جداً تتخللها التلاسن أحياناً، وكان المرحوم نقناقي جداً ، حتى لو أقسمت لهم بكل الأنبياء والأوصياء والكتب السماوية ، لم يصدقوني.
لذلك ، فمن باب الاحتياط، فإن، التعرف على المغسلجي والدفان، ربما أحتاجهم في الحجز على مبالغ الغسل وثمن المرمر والموزائيك والسمنت ولوحة اسم المرحوم مقابل تسديد ديوني، كونها ليست من( نفقات التجهيز) التي أقرها القانون، لغاية تسديد ديوني من ذوي المرحوم. ، وإن فشلت في ذلك الحجز، فإنني سوف أتوجه بالحجز على مصاريف الفاتحة التي تقام له في (القاعة الفلانية) لحجز القهوة والشاي والماء والسيكاير إن قدمت، والأكل لليوم الثالث في الفاتحة إن تم ذلك .. إن لم تسدد ديوني .
أن الحقيقة دوخني فرج ؛ هو على حق في مطالبه ، أم على ألهيته كما يقال. فقلت له اجعلها ثوابا على المرحوم إن لم يسدد الدين إليك من ذوي المرحوم ، فأجابني، وماذا أسدد الى عمال المسطر الذي جلبتهم معي في ترميم دار المرحوم ولم أسدد لهم أجورهم لغاية اليوم وهم الساكنون في فنادق باب الشرقي، والمتغربين عن ذويهم ومحافظاتهم .
وهنا أجبته بحقوقه في تصرفاته الغريبة . إذ ؛ لا تعتبر مصاريف بناء القبر والفاتحة والأربعين والسنوية جزءاً من نفقات المتوفي التي تقدم على قضاء الديون وبقية المصاريف المستحقة التي تقتصر على نفقات التجهيز على الوجه الشرعي من لحظة وفاة الإنسان لحين دفنه .
كان الله في عون فرج ، ورحم الله المرحوم ، وأدخله فسيح جناته.

أحدث المقالات

أحدث المقالات