18 ديسمبر، 2024 11:04 م

ومتى الحوار الاستراتيجي مع إيران ؟!

ومتى الحوار الاستراتيجي مع إيران ؟!

علمونا في المدارس، ونحن صغار، أن الوطن للمواطن، وهو صاحبه الحقيقي الوحيد. وعلمونا أيضا أن السياسيين الذين يتولون الحكم هم موظفون مستأجرون من قبل المواطن لإدارة شؤونه، وحين لا يؤدون الخدمة بنجاح وأمانة يُقيلهم ويأتي بقومٍ آخرين.
ولكن، حين كبرنا لم نجد بين أيدينا وطنا كما يزعمون. فالذي وجدناه، من أول ولادته وحتى يومِ الحوارالاستراتيجي الجديد مع وفد حكومة العم دونالد ترمب، كان مربطَ الخيل الأمينٍ لجنود السلاطين العثمانيين، ثم طفلا رضيعا بين يدي بريطانيا العظمى، ثم قاصرا تحت وصاية الاتحاد السوفيتي، فأسيرا في معسكرات الأمريكيين، ثم صار خاتما في إصبع الولي الفقيه، وما زال.
أما الحديث عن السيادة فشيء كان لازما لتخدير الجماهير، وتأجيل ثورتها إلى أبعد ما يمكن من سنين.
وها نحن، في عهد مصطفى الكاظمي القادم من داخل بطانة العهد الديمقراطي الجديد الذي أنشأه الغزو الأمريكي وأورثه لدولة الحرس الثوري، منتظرون منه ما يطيق وما لا يطيق.
والداعي إلى هذا المقال هو حوار الساعتين الصباحيتين الموصوفُ بأنه استراتيجي بين أمريكا وإيران، ودولة العراق، والذي أتقن الوكلاء المعتمدون من إيران، والوكلاء المعتمدون من أمريكا، تغليفَه بثياب السيادة الوطنية وكرامة الوطن العزيز.
وفي أول كلام له عن هذا الحوار قال رئيس الوزراء في لقائه بأهالي الموصل في ذكرى يوم سقوطها، “إنه يستهدف تحقيق سيادة العراق ومصالح مواطنيه”.
ولبيان حقيقة الحوار، ومدى علاقته بالسيادة، وبمصالح المواطنين، نستعرض هنا وثيقة الحوار التي سربتها الحكومة الأمريكية عن سابق إصرار وتصميم.
• ” الساعة 9:00 صباحا ديفيد هيل يفتتح النقاش بخصوص تواجد القوات الأمريكية ومواطن القلق الأمني للولايات المتحدة. وسيقوم الجانب العراقي بالإجابة”.
• ” 10:00 سيقوم الجانب العراقي بشرح الوضع الاقتصادي للبلاد وخطط المواجهة اللازمة. وكذلك سيشرح خططه للاستقلال في مجال الطاقة”. و”ستشدد الولايات المتحدة على أهمية الإصلاح الاقتصادي، وستعرض مساعدة العراق لتحقيق أهدافه في مجالي الاقتصاد والطاقة”.
• “10:30 ستثير الولايات المتحدة موضوع الانتخابات المبكرة، والعدالة لضحايا المتظاهرين بسبب العنف، والأمور الإنسانية. وسيناقش العراقيون أفكارهم بخصوص مواطن القلق هذه”.
• “10:50 ربما سيطلب العراق إعادة بعض الآثار، وتمديد برامج التبادل، وستوافق الولايات المتحدة على إعادة أرشيف حزب البعث، وستنظر في طرق تمديد برامج التبادل”.
• “11:00 ختام الحوار”.
إذن فعراق مصطفى الكاظمي طلب، فاستمع، فوافق، وانتهى الحوار. إنها المقايضة بعينها. وعدٌ أمريكي بالانسحاب (بعد عمر طويل) مقابل دوام المساعدات والتدريبات والإعفاءات، وإعادة الآثار. ولكن أحدا لم يتحدث عن الوجود الأمريكي في كردستان العراق، ولا عن إعفاءات أمريكية للعراق باستمرار شراء الطاقة الكهربائية من إيران.
واستباقا لهذا الحوار، وبتوقيتٍ مقصود، طالبت لجنة الدراسات التابعة للحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي بإدراج الميليشيات الإيرانية في العراق ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، وذلك ضمن تقرير مطول حول أنشطة الجهات والشخصيات المتورطة في تمرير أجندة الحرس الثوري الإيراني في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وتعمدت اللجنة في تقريرها تذكير المحاورين العراقيين بأن أمريكا “منذ ظهور داعش في العراق عام 2014 منحت وزارةُ الخارجية الأميركية العراق نحو 1.2 مليار دولار كمساعدات عسكرية، إضافة الى 4.2 ملايين دولار لتدريب القوات العراقية، كما قدمت وزارة الدفاع الأميركية 4 مليارات دولار للقوات العراقية في الحرب ضد تنظيم داعش”.
بعبارة أوضح. إن أمريكا كانت تدفع، وإيران تقبض. أما المواطن العراقي، وهو صاحب الوطن الوحيد، فقد كان، وسيبقى آخر من يعلم، وأخر من يتكلم، ولا حول له ولا قوة، مع الأسف الشديد.
والآن، وبعد صدور البيان الختامي للحوار، لقد أصبح واضحا أن أمريكا تريد من الحكومة العراقية أن تقوم بواجباتها في لجم المليشيات، وفي حماية القواعد والسفارة الأمريكية، وفي العمل على تقليص النفوذ الإيراني، إذا ما أرادت أن تستمر في تلقي المساعدة، مالا وبضاعة وإرشادات وتدريبات.
شيء آخر. إن البيان المشترك الصادر عن الحوار المذكور جاء، على ما يبدو، من أجل امساعدة حكومة الكاظمي وعدم إحراجها مع إيران، في انتظار ما ستأتي به الأيام القادمة التي تعقب الانتخابات الأمريكية القادمة، خصوصا وأن الرئيس الأمريكي ترمب بحاجة إلى هذه التهدأة، في الوقت الراهن، وهو في ظروفه الانتخابية المعقدة، في مواجهة الكثرة من المتربصين به، داخليين وخارجيين.
وهذا الوعد الأمريكي باحترام السيادة العراقية وبالانسحاب المؤجل، مع التعهد بدوام الإكراميات والهبات والمساعدات والإعفاءات، لابد أن يجعل الجماهير العراقية المتظاهرة ضد سلطة سلاح المليشيات الإيرانية، تتساءل:
إذن، متى سيكون موعد الحوار الوطني العراقي مع الجارة إيران، ومتى سيتم تحرير ما تبقى من السيادة الوطنية التي لم يعد ينتهكها أحدٌ سوى النظام الإيراني ومليشياته وجواسيسه، وبلا حدود؟.
وأمريكا تعلم، قبل غيرها، بأن دولة الحرس الثوري ليست في وضع يسمح لها بالانسحاب الكامل والنهائي اوالفوري من العراق، ولكن لابد لها أن تدرك نفاذ صبر العراقيين على وجودها الاستغلالي الابتزازي التخريبي، خصوصا في المحافظات التي كانت حاضنتها الدافئة طيلة السنوات الفائتة، وآن لها أن تسمح باجتثاث حلفائها الفاسدين، وبتوفير الخدمات لشعب متعب وفقير، وبضبط المنافذ الحدودية معها، وبمنع تهريب الأموال والمخدرات والهاربين من وجه العدالة، وعدم التدخل، مباشرة أو من خلال وكلائها، في شؤون وزارات الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والنفط والثقافة والإعلام؟. فهل هذا عليها كثير؟؟.