20 أبريل، 2024 1:46 ص
Search
Close this search box.

وما ظلمناهم .. إصلاح الخطيئة سبيل الخروج من البلاء

Facebook
Twitter
LinkedIn

من السنن الالهية الجارية على العباد يستلهم المؤمنون أن العلاقة بين المجتمع وتحقيق العدالة والرخاء أو بين الظلم والابتلاء هي علاقة طردية على صعيد الشكر والكفر ، { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } (1).

فكلما حرص المجتمع على الايمان بشريعة الله وسعى الى تطبيق الاحكام الالهية فان الخيرات تتنزل عليه من السماء وتخرج اليه من الارض بغير حساب لفيوضات العطاء الالهي ولعل هذا المعنى هو ما قصدته الآية الشريفة في قوله تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ} (2).

لذلك كان السعي لإقامة حكم الله وإحياء شريعته المعطلة فرض كفائي على كل مؤمن ومؤمنة وواجب عيني على كل من يتصدى لإدارة شؤون الامة الاسلامية من قيادات دينية (عليا) والتجمعات السياسية (في موقع المسؤولية) ،وأن الاخلال بهذا الفرض الواجب هو خيانة لأمانة الله تعالى وانقلاب على إقامة شريعته ونكول عن أحياء معالم دينه التي تعرضت للتعطيل والتبديل بغير ما انزل الله تعالى سواء في كتابه العظيم (القرآن) او من خلال سنن النبي الاكرم واله(صلوات الله عليهم أجمعين) .

ولتتأسى القيادات الدينية من مرجعيات وفضلاء وخطباء بالموقف المشهود للحوزة العلمية وزعيمها المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم (قد) في العام (1959) عندما أحبطت المرجعية والحوزة والمثقفين الاسلاميين بوقفتها المشرفة محاولات دعاة التفسخ الاخلاقي من الاحزاب الالحادية والتجمعات المتهتكة المنفلتة بها من تمرير القانون الاحوال الشخصية النافذ (188) والذي تندرج اكثر مواده في خانة القوانين المخالفة لفقه الشيعة الجعفرية بل ان الكثير منها يستند في احكامه الى القانون الفرنسي المستل من الديانة المسيحية او المذاهب المادية الاخرى .

ويعبر المرجع محمد الشيرازي (قده) في كتابه ” القانون ” عن استغرابه من العمل بالقوانين الفرنسية من قبل المسلمين وتركهم كتاب الله وشريعته وراء ظهورهم في معاملاتهم الشخصية ويقول (قده) في هذا الصدد (فهل الصحيح إن يترك طريق الأنبياء عليهم السلام والمصلحين العظماء مع إقرار السماء لتلك القوانين بل تشريعها لها وإتباع القوانين التي وضعها الرومان والعلمانيين من حقوقيي أوربا، ان هذا لشيء عُجاب! ومن ثم يلزمُ المسلمَ المعتقد بالإسلام ومشرِّعه العظيم بل المجتمع الإسلامي بتلك القوانين ((3).

وبالتأكيد فان خذلان دين الله والتقاعس عن احياء ونصرة الدين مع التمكين او الوقوف ضد قوانين شريعته السمحاء من خلال تأييد ومساندة الباطل واهله من الكافرين والملحدين والمتهتكين هو كفر بنعمة الاله وتعطيل مجحف لأحكامه سبباً ومدخلاً رئيسياً لحصول البلاءات والمحن العديدة والتي عبر عنها بالقرآن الكريم بـ ( الفتنة) التي حذر الله تعالى من الوقوع في أتونها ولذلك اقتضت السنة الالهية ونتيجة للتقصير من قبل المجتمعات أن تصيب كيان الامة دون تفريق بين الظالمين والساكتين عن نصرة الحق {اتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } (4) ، وآنذاك لا ينفع الندم على تقصيرهم تجاه شريعة الله تعالى ) فنادوا ولات حين مناص((5).

وفي كلمة للمرجع اليعقوبي بعنوان (زيارة عاشوراء والبراءة من اعداء الله تعالى) أوضح سماحته هذه السنن الالهية هي درس للمؤمنين في كيفية التعاطي مع الاحداث والمواقف التي تتطلب وقفة ونصرة في سبيل الله تعالى وأحياءً لمعالم شريعته الغراء والا فأن البلاء هو مصير الامة المقصرة المحتوم وأوضح ذلك بقوله (اننا اذا شخّصنا خللاً في العقيدة او نقصا في الاخلاق او مخالفةً لحكم الشريعة او مفسدة اجتماعية فعلينا المبادرة والتكاتف لإصلاحها والا حلّ بنا البلاء)(6).
ولذلك ينوه سماحة المرجع اليعقوبي الى استباقه للبلاء الذي وقع في العراق من خلال التذكير باشارته وتحذيره من البلاء المقبل سيصيب فيما بعد البلاد والعباد وذلك في خطابه الفاطمي السنوي بمناسبة ذكرى شهادة الصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والذي صادف (يوم 3/4/2014) اي قبل ثلاث أشهر من سقوط الموصل وباقي المدن بيد النواصب الدواعش ، وخلال ذلك الخطاب بين سماحة المرجع ان القانون الجعفري مثل فرقانا لبيان من يسعى الى احياء الشريعة ومن يخطط لإجهاضها او اخماد جذوتها وكان القانون الجعفري قد تعرض لمحاولات لإجهاضه من قبل جهات دينية وأخرى معادية للدين ومن قبل جهات سياسية أخرى ، ثم يشير المرجع اليعقوبي الى جسامة الخطيئة الكبرى لعالم الدين عندما يصبح سداً مانعاً امام طاعة الله ويتحول الى أداة لوأد الشريعة ويعبر سماحته عن استنكاره بقوله (ولم نسمع في تاريخ المرجعية الشيعية ان يقف احد افرادها في الضد من تطبيق شريعة الله تبارك وتعالى على خلاف ما هو المتوقع منه وهو بذل الوسع لإقرارها) (7).

وفي ذلك الخطاب اشار المرجع اليعقوبي لبيان اهمية الموقف الواعي من قبل الفئة القليلة التي ناصرت وازرت ودعمت القانون الجعفري والتي ساهمت بوقوفها في رفع جزء من البلاء الذي ربما كانت أتون ناره المتقدة تسري مسرى النار في الهشيم لولا اللطف الالهي بالثلة المؤمنة التي لم تقصر في نصرة الله تعالى ودينه اما في هذه الكلمة فيجدد سماحته تلك الاشادة بالمؤمنين المناصرين لقانون الله وشريعته بقوله (وببركة وقفة اتباع هذا الخط الشريف ومن ناصرهم لإقرار القانون الجعفري وتثقيف المجتمع عليه والمطالبة بهذا الحق الشرعي للاغلبية الشيعية في العراق، فقد دفع الله تعالى جزءاً من البلاء كما قلنا في الخطاب الفاطمي، ولولا وقفة هذا البعض لأحرقت النار الاخضر واليابس)(8).

ثم يشير المرجع اليعقوبي الى ان الحل والعلاج للابتلاءات والمحن التي تعيشها الامة والتي كان من الممكن تجنب شرورها ومآسيها يتمثل بمدى جدية علماء الامة وقياداتها الدينية في السعي لإقرار شريعة الاسلام وقانون الامام جعفر الصادق (ع) ولذلك لما يمتلكه المراجع والعلماء من تأثير ونفوذ في الاوساط السياسية والاجتماعية والدينية يمكن ان يكون دافع لإمضاء القانون وتشريعه (كان من الممكن تجنيب الامة كل هذه الخسائر من شبابنا واموالنا واعراضنا لو تعاون الجميع وانصفوا الحق من انفسهم وعملوا على إعادة الحق لأهله وإعلاء كلمة الله تعالى، والمسؤولية الاكبر تقع على العلماء والحوزة العلمية لان الناس تابعون لهم وهم الذين يوجّهون الامة ويرسمون المنهج والخطة لمسيرة الامة، لكن الناس هم الذين يدفعون الثمن غالباً)(9).

ولا يوجد ما يبرر للقيادات الدينية والسياسية الشيعية رفضها للقانون الجعفري خصوصا ان هدف الرسالات السماوية جميعها هو ان تكون الاحكام الالهية سارية المفعول في بناء الامم وتكاملها معنويا ومادياً ، وربما كان موقف الامام الخميني (قد) الحريص على احياء الفقه الجعفري في كل مفاصل الحياة وخصوصا ما يتعلق منها بالمعاملات الشخصية واضحا من خلال اصراره على بقاء قانون جعفر الصادق (ع) ساريا قبل الثورة الاسلامية في ايران مطالبا العلماء بالوقوف رصا واحدا متضامنا ازاء المحاولات البائسة للسلطات الشاهنشاهية في انهاء مظاهر القانون الاسلامي وابداله بالقانون الوضعي ، ويتحدث روح الله الخميني (قده) عن ذلك الموقف بإصرار ينبئ عن أهمية الحفاظ على روح الشريعة في حياة المجتمع الاسلامي بقوله ( أن وضع القوانين من أجل التكامل هو من صلاحية الخالق جل وعلا، كما كانت قوانين الوجود والخلق من وضعه عز وجل. ولا يصل الإنسان ولا المجتمعات إلى السعادة والكمال إلا في ظل إطاعة القوانين الإلهية التي بلغنا إياها الأنبياء عليهم السلام، في هذا البلد قانون اسمه قانون الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ولا بد من بقاء هذا القانون حتى ظهور إمام الزمان (الحجة بن الحسن). اطلبوا من علماء الدين المطالبة بذلك) (10).

واليوم فأن الامة من قيادات دينية وسياسية في العراق وخصوصا التي تنتمي لمذهب اهل البيت (عليهم السلام) أمام فرصة للتغيير ودفع البلاءات التي أحاطت بنا من كل حدب وصوب خصوصا الهجمة البربرية لخوارج العصر الدواعش والتكفيريين وذلك من خلال البحث عن اسباب نيل الرحمات والبركات الالهية ولا يوجد طريق اسرع لتحقق ذلك أفضل من السعي لإقامة الحد الادنى من أحكام الشريعة الالهية وقوانينها التي تعنى بتنظيم الاحوال الشخصية للفرد المسلم الشيعي بصورة موافقة لأحكام الاسلام ومذهب اهل البيت (عليهم السلام) من خلال اقرار القانون الجعفري واخراجه الى حيز التطبيق والممارسة لمواده .
 
وعلى القيادات الدينية والاحزاب الاسلامية ان تبادر لأحياء شريعة محمد وال محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) بدل معارضتها او تجاهلها وأن تتخلى عن الانانية والفئوية والمصالح الشخصية وعقدها النفسية التي لا تخرج عن الحسابات الدنيوية ، ولتبادر الى اقرار القانون الجعفري والتمهيد بالحق والصدق لدولة العدل الالهي التي يترقب طلعتها المنتظرين لقائدها الامام المهدي(ع) ليملأ الارض بإذن الله عدلا ويمحق الظلم والظالمين وليظهر الدين الحق على الدين كله ولو كره المشركون      { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}(11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الاعراف – 96.

(2) سورة المائدة – 66

(3) القانون الوضعي وتخلف البلاد الإسلامية – دراسة وفق رؤى الإمام الشيرازي

(4) سورة الانفال – 25

(5) سورة ص – 3 .

(6) من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع مواكب الزوار الذين توافدوا  على مكتب سماحته من مختلف المدن العراقية مشيا على الاقدام في طريقهم الى زيارة الامام الحسين (عليه السلام) في اربعينيته يوم الاربعاء 17/صفر/1436 الموافق 10/12/2014

(7) المصدر السابق.

(8) المصدر السابق.

(9) المصدر السابق.

(10) الكلمات القصار للإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره / جمعية المعارف الإسلامية الثقافية / ط1

(11) سورة هود- 94 .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب