23 ديسمبر، 2024 1:21 ص

وما أدراك ما أصحاب المناصب؟

وما أدراك ما أصحاب المناصب؟

لم يعد بمقدور أي عراقي شريف، ممن يعايشون الأحداث الدائرة في الساحة العراقية، أن يصمت أو يكتم صرخة بملء فيه، ينادي فيها ماسكي مفاصل البلد وأركانه الإدارية والأمنية والاقتصادية.. أن اتقوا الله في حياة العباد ومصائرهم، وارحموا ملايين الأبرياء في هذا البلد المعطاء الذي لم تبخل أرضه يوما بالجود الوافر بماتحتها ومافوقها، على أبنائها وغير أبنائها، ولم يضن نهراه على وارديهما ساعة، بل يدعوان الجميع: “لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا”. كذلك لم يعد العراقيون ينتظرون ممن أولوهم حق التحكم بمصيرهم ومستقبلهم وخيرات بلادهم، أن ينفّذوا واجباتهم الوطنية والأخلاقية، فضلا عن المهنية والوظيفية، وأن يبروا بقسمهم الذي أدّوه، ويصونوا عهودهم التي قطعوها، ويفوا بوعودهم التي منحوها.
فعلى مابدا أن جل الذين اعتلوا مناصب البلاد السيادية والقيادية -الأمنية والخدمية- لم يعملوا لصالح مؤسساتهم أو الصالح العام وصالح المواطن، إذ ليس فيهم امرؤ “عمل عملا صالحا وأتقنه”. بل هم سباقون في العمل الطالح، متأهبون دوما لعمل كل ما من شأنه يرجع البلاد القهقرى بما ملكت أيمانهم.
كذلك ليس من بينهم نفر ممن “يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”. بل على العكس من هذا، فروح الإثرة غلبت روح الإيثار عندهم، وأضحى شعارهم: (كلمن يحود النار لگرصته) فتسابقوا على مآربهم ومنافع أحزابهم ومكاسب كتلهم بما أوتوا من قوة، من باب أن: “الأقربون أولى بالمعروف”.
ومنهم “الذين يراءون ويمنعون الماعون”. وقطعا لم يفتهم أن يواروا خصلتهم هذي بسلوكيات يظنون أنها تنطلي على العراقيين، وراحوا يطلقون على أنفسهم مسميات وألقابا عديدة، هم في حقيقة الأمر أشد البعد عنها وعن مدلولاتها، فطفا على السطح منهم زبد باسماء مستعارة، كالسيد والشيخ والمجاهد والمؤمن دون استحقاق، فحق عليهم القول: “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
ومنهم “الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين”. وشاء حظ العراقيين أن تتنوع شرائح مكوناتهم سلبا لا إيجابا، إذ بات أغلبهم مساكين، وآخرون يتامى، وأخريات ثكالى وأرامل، وما تبقى من عديدهم فهم مغلوبون على أمرهم، فنراهم بين صبور وجزوع، وخانع وقنوع، وبين هذا وذاك من نفذ بجلده هاربا من جحيم وطنه، باحثا في مشارق الأرض ومغاربها، عن وطن يستأجره بصفة لاجئ أو مقيم، ويبدأ رحلة عذاب جديدة تسمى رحلة (لم الشمل) ليلم ماتبقى من أهليه وذويه في الوطن البديل، بعد يأسه من احتواء الوطن الأصيل له ولهم. فيالبؤس العراقيين في تفرق شملهم، وتبدد ألفتهم، وشتات جمعهم، وضياع لحمتهم.
ومازاد طينهم بلة تشرذم ساسة بلدهم، بين سارق وفاسد، وحاقد وعميل، ومتخلف وبيروقراطي وراديكالي، والأخير هذا يتبجح باحترام الرأي والرأي الآخر، وهو غاية في التعنت والتعصب برأيه، ويدعو الى التآلف والتسامح، وهو غارق في وحل العداء والتضادد، وسابح ماهر وراكب حاذق في أمواج الضغينة والانتقام والمكائد، فأنّى للعراقيين الوصول الى مرسى آمن؟.
ومن أصحاب المناصب أيضا، المرتشون والمختلسون ومنهم “سماعون للكذب أكالون للسحت”. ومنهم الذين “يأكلون في بطونهم نارا”. وهؤلاء بمجموعهم يملأون مؤسسات البلاد برمتها، بعدد يفوق أعداد الجراد والذباب، بل يربو على “عدد النجم والحصى والتراب”. وما يؤلم ويحز في النفوس أن بعضهم يعرف طريق النزاهة، ويحسن السير في جادة الاستقامة والتعفف، إلا أنه انزلق في دهاليز خبائث الخصال، ويأبى الحياد عنها، فحق فيه قول الشاعر:
سبكناه ونحسبه لُجينا
فأبدى الكير عن خبث الحديد