سبق ووصلتني على الإيميل رسالة عتاب من أحد الأصدقاء المتابعين مشكورا، واليوم وصلتني رسالة بمضمون مشابه من صديق آخر من المتابعين مشكورا، كتب لي فيها فيما كتب:
كل التقدير والاحترام لجهودك المشكورة [في نقد] القرآن […] ولكن هل هذا هو ما يحتاجه العراقيون اليوم؟ لأنك من الكتاب المعروفين والمقرئين ولك الكثير من المتابعين، فمن حق أهلك فقراء الشيعة – أنا أعتبر التشيع انتماءً هوياتيا لا علاقة له بالإسلام – أن تفضح الفساد الفاجر لرجال الدين الشيعة وخصوصاً فساد […]
وهنا مقطع من إجابتي على رسالته:
دعني أولا أجيب على سؤالك وعتابك المشروع.
بعيدا عن محاولة التبرير لنفسي فأنا بكل تأكيد مقصر بحق الشعب العراقي، ولكن لي أسبابي، وسأبينها في مقالة لي أكتبها اليوم وانشرها غدا، ربما تكون بعنوان «وماذا أكتب عن العراق»، أو شيء مشابه.
بالمناسبة أنا لا أكتب للشيعة، لأني داعية دولة مواطنة منذ خمس عشرة سنة، فأنا لا أدافع عن مكون، بل يهمني المواطن، ويهمني الإنسان.
وعن تمنيه عليّ أن أكتب عن فساد المؤسسة الدينية، قلت له: عندما أكتب عن فساد المراجع والذي لا أشك فيه يجب أن تتوفر لي معلومات دقيقة، ولا أستطيع أن أكتب بطريقة إنشائية أو افتراضية حتى مع رجحان ما أكتبه.
والآن مع ما أريد أن أكتبه في هذه المقالة للقارئات والقراء الأعزاء.
ماذا أكتب عن العراق؟ أأكتب عن الفساد المالي؟ وهو موضوع كتبت عنه وما زال يكتب عنه عشرات ولعله المئات من المقالات، وهو يستحق بلا شك أن يواصل تسليط الضوء عليه بكثافة واستمرار.
أأكتب عن الطائفية السياسية ودولة المكونات بدل دولة المواطنة؟
أأكتب عن كارثية أداء أحزاب الإسلام؟
أأكتب عن المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية في المناصب والوظائف والامتيازات وسرقة المال العام؟
أأكتب عن محاولات خنق الحريات باسم الدين؟
أأكتب عن النكتة البايخة بتحول كيان شيعسلاموي إلى معارضة وإعلانه عن تشكيل حكومة ظل؟
أأكتب عن زعيم حزب شيعسلاموي الذي يضع نفسه بديلا عن القضاء في تحديد من يحرض على معاقبته، ومن يعفو عنه؟
أأكتب عن مختار العصر الذي يسعى للعودة إلى منصبه وهو المسؤول عن تسليم ثلث العراق لداعش وعن ضياع مئات المليارات؟
أأكتب عن سنة إيران؟
أأكتب – وقد كتبت قبل مدة قصيرة – عن الاستعمار الإيراني؟
أأكتب إدانة لدولة إسرائيل لانتهاكها السيادة الوطنية بقصف مواقع في العراق؟
أم أكتب عن تلك الفصائل من الحشد الشعبي الموالية لولاية الفقيه على حساب الولاء للوطن، والتي أعطت المبرر لإسرائيل لعدوانها، بسبب تخزينها لأسلحة إيرانية تستهدف إسرائيل في الأراضي العراقية؟
أأكتب عن تلك الفصائل ومسؤوليتها عن الانفجارات لمخازن عتادها والتي جعلتها وسط المناطق السكنية مستهينة بأمن وحياة المواطنين؟
أأكتب استحالة التعويل على رئيس الوزراء الحالي، كونه ابن الأحزاب الشيعسلاموية التي تتحمل مسؤولية الوضع الكارثي على جميع الأصعدة في العراق؟
أأكتب عن محاولات تشييع المناطق المحررة، وتسليم زمام امورها لفصائل حشدوية؟
أأكتب عن الرئاسات الثلاث؟
أأكتب عن سوء أداء مجلس النواب؟
أأكتب عن انتهاكات حقوق الإنسان في السجون؟
أأكتب عن إهمال الموصل والبصرة وغيرهما من مدن العراق؟
أأكتب عن الحالة المتردية للتربية والتعليم، وللتعليم العالي؟
أأكتب عن إهمال الفن؟
أأكتب عن أوضاع المرأة والطفل في العراق؟
أأكتب عن تلويث البيئة وتعريض الأجيال القادمة والطبيعة للخطر؟
أأكتب عن حال الأقليات الدينية المهددة في وجودها؟
أأكتب عن الدعوة والأعلى والحكمة والفضيلة والتيار و… و…؟
أأكتب عن مساوئ السياسيين الشيعة والسنة والكرد؟
وأخيرا وليس آخرا أأكتب عن مساعي استبدال الجيش العراقي بالحشد الشعبي؟
أأكتب عن قلقي وخوفي؟
أأكتب عن يأسي ويأس الكثيرين؟
أم أكتب عن أملي أو حلمي وحلم ملايين العراقيين؟
عن معظم هذه المواضيع كتبت مئات المقالات، وتناولتها عشرات المرات على الفضائيات.
وهي كلها قضايا مهمة، وأشد على أيدي أصحاب الأقلام الوطنية التي تكتب فيها.
مع هذا أشعر أني مقصر، واعتذر عن تقصيري، واعتبر الكتابة عن كل ما يهم العراق، لكن عن كل ماله علاقة بالديمقراطية والعلمانية والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وحقوق الإنسان.
لكن لي مبرراتي، التي قد يقبلها مني البعض ولا يقبلها مني البعض الأكثر عددا ربما.
إني متفرغ للتأليف والاشتغال على مشاريع لا يكفي بقية عمري، حتى لو أكملت مئة عام، لإنجازها، وهي عندي أهم، لأني بتقديري أكتب للمستقبل، للأجيال القادمة، للعراقيين، وأتمنى أن تكون لكل القارئين بالعربية، بل كل قراء المنطقة ذات الأكثرية المسلمة، إذا ما ترجمت هذه المشاريع أو ترجم بعضها أو أهمها إلى لغات أخرى.
لذا سامحوني.