19 ديسمبر، 2024 12:43 ص

وليّ الدم … وليّ النفط

وليّ الدم … وليّ النفط

العظمى في العراق تنظر الى الحاكم بمنظار النصف إلـه ، فيجتذبها الكلام المنمق ولو كان كذباً مفضوحاً ، وتموت عشقاً في ( شوارب) الريـّس الذي قد يسومها سوء العذاب ويسخر من آلامها وآمالها فيقرب الجهلة من اقربائه ويستبعد الكفاءات من ابناء البلد ، ويرهن البلاد والعباد والثروات والمياه والاقتصاد في صفقات خاسرة وحسب مزاج سيادته ….ويخلف بلداً مصدراً للأرامل والامراض والموبقات ، فيكون المواطن هدفاً لصدقات دول الجوار ، ومساعدات المجتمع الدولي . كل هذا لا يربك افكار الغالبية ، ولا يدعوها للنظر بعقلانية ، فمنظر البدلة الحريرية والوجه القاسي الملامح المشوب بحمرة النعيم السلطوي يجتذب العراقيين منذ عقود – اكثر مما يجتذبه اطروحة (الحاكم – الخادم) ، الكثير صفقوا لعبد الكريم قاسم ، ولكن الرجل قُتل وضُيّعت جثته ، فيما بقي رسمه على الأواني البغدادية القديمة وبعض الطوابع !
الكثير اُعجب بدهاء نوري السعيد ، لكنه سُحل في النهاية في ازقة بغداد وتم حرق جثته فيما بعد ، بينما رضخ الجميع لسطوة البعث حتى ملّك عليهم صدام فتيان قصره ومراهقي العوجـة ، لأن صدام كان يعرف كيف يداعب احلام الجمهور بزعيم يعطي ويمنع حسب المزاج لا حسب القانون ، كما داعب العقل الباطن الشعبي المنبطح تجاه قسوة الشوارب الحكومية ، والعشق المكنون لاكاذيب السلطة وحروبها الكارتونية واعلامها السَمج ، والهيام الغريب برائحة البارود والبساطيل والاوراق الحكومية الصفراء والادمان على طوابير الذلّ الوطنية.
فمهما اختلفنا مع الفتلاوي ، يبقى الجزء الاعمق من حديثها حول (اريد رئيس وزراء لدولة نفطية مثل العراق) وهي تعلم ان العراق بفضل حكومة الحجاج ارتد الى المرتبة 176 في سلّم التنمية بعد ان كان في المركز 137 قبل عشر سنوات ، حديثها هذا فيه اشارة الى العقل الجمعي الباطن ( ان صحت التسمية) ، الذي لا زال مهتمااً لطريقة كلام الزعيم وملابسه وشكل نظارته ولمعة جبهته ولون حذاءه اكثر من اهتمامه بكفاءة الزعيم وبرنامجه الحكومي وقدرته على صنع مستقبل افضل.
بيد ان كل التيارات والاحزاب السياسية الحالية لم تبذل جهداً في محاولة تغيير النظرة الجماهيرية للحاكم ، نعم بقيت النظريات وبقيت الندوات وبقي التنظير القديم لمرتكزات لم تعد مقنعة بالنسبة للاكثرية . فيما تُرك الشعب فريسة للشعارات الملونة والرنانة فاتخذ سبيله كعادته في المشي قرب الحائط لان عقدة الخوف لا زالت تتملكه مما يمكن ان يلي ذلك الحائط .
من لا يصدق عليه الرجوع لارقام النتائج الانتخابية الاخيرة ، ومن يشك بالتزوير يمكن ان يحذف حتى نصف مقاعد الحزب الحاكم ، ثم ليرى النتائج !
الجمهور صوّت للمالكي ولم يُخدع بشعار : رجل قوي – اذا قال فعل ، لانه يعلم ان المالكي ممكن ان يغير مواقفه كل 6 ساعات ولا يرى حرجاً في ذلك !
وصوت للمالكي ، ولم تنطلي عليه اسطورة : رجل اذا قال فعل ، وهو يعلم ان الرجل اضعف من ان يواجه صحفي مبتديء اذا حاصره باسئلة الامن والاقتصاد المنهار والمشاريع العشوائية.
وصوت للمالكي ، وهو يعلم بأن ” وليّ الدم” لن يصبح ” وليّ النفـط” حين يتعلق الامر بمفاوضات تشكيل الحكومة ، لانه بحاجة الى رضا الاكراد حتى لو وعدهم بنصف بغداد !
ايها السادة ….. قد تكون حنان الفتلاوي مخطئة ، لكن الجمهور كان فتلاوياً بامتياز ! وليّ الدم … وليّ النفط