للمرة العاشرة على التوالي ، تفوز بغداد ، وبكل فخر ورفعة رأس وتباهٍ أمام كل الشامتين وبعين كل عدو ، بلقب أسوأ مدينة للعيش في العالم حسب مؤسسة (ميرسر) للإستشارات ! ، وحقيقة ، لا أستطيع ترك هموم بلدي وهو يُخزي البشرية والعالم بهذه الألقاب ، فهي شغلي الشاغل إلى درجة الهوَس ، فنتائج هذه الخراب لم يكتفِ بالتهديد الذي وصل أعتاب منزلنا ، بل دخلها ووصل إلى دورات المياه ! ، أستغرب كثيرا من موقف السّذج وهم كُثر مع الأسف الشديد ، وهوالعمل بمبدأ (شعليّة) ! ، و(حشرٌ مع الناس عيد ) ، وهم لا يعلمون ، أن هذا (الحشر) ، هو جنازتنا الجماعية ، بل أن كلا منا يحمل تابوته الخاص في هذا (الحشر) ، ونحن نسير به أموات وأحياء بنفس الوقت ، كلّنا تحول إلى (زومبي) ! ، بلدنا الأسوأ في العالم على كل الصعد ووفق نشرات عالمية متخصصة ، في الأمن ، والخدمات الطبية ، الرفاهية ، التعليم ، البيئة ، المؤسسات السياسية ، الطرق والشوارع ، الخدمات العامة ، اسمع بكل هذا فأطأطئ رأسي خجلا من نفسي ،عالما أن كل ذلك ليس ذنبي ، فكيف لا يخجل المسؤول عن كل هذا الخراب أمام الناس ؟! ،لا أدري كيف يتجرأ (وزير ما) أو (برلماني ما) أن يظهر على الشاشات ، وأول ما سيتطرق إليه عبارة (الجميع فاسدون) أو (الجميع قَتَلة) ، وهو ونحن نعلم أنه أحد أعمدة الخراب في البلد ، نعم ، الجميع سُرّاق وقَتَلة ، لكنهم يختلفون في الدوافع ! ، السذّج وهم من الأغلبية ، متمسكة بعبارة تلوكها ألسنتهم كالعلكة : (شعب جبان) ، وهم يصفون أنفسهم ، و(حكومة ماكو) ، وأشهد أنهم صادقون بذلك ! .
(فنتازيا) الأمل في هذا البلد أصبحت مستحيلة التحقيق ، ونحن نسمع وعودا من إيران وأمريكا وتركيا وكل دول الجوار ، أن أرضنا بالذات ستصبح ساحة لتصفية الحسابات ، لقد إختفت مقومات الأمل ، إعتصبوا منا حتى حق النظاهر ، وضاعت من تحت أقدامنا ، كل سُبُل الخلاص والتفاؤل ، فحتى الأمطار أغرقت مدننا ، وأنتجت السيول التي دمرت الأخضر واليابس ، وأنا أرى ، أن منسوب دجلة لم يرتفع ، وسكان الناصرية لا يزالون يبكون شح المياه ! .
دولة (هندوراس) ، تقع في أمريكا الوسطى ، عانت من الإنتخابات المزوّرة (كحالنا) ، ويُقال أنه البلد الأعلى من ناحية معدّل الجريمة والفساد لكنها كانت الأعلى منّا في دلو القاذورات العالمي ، لم تصل للقعر بعد حيث نحن ، فيحصل لنا شرف اللقاء بهذه الدولة ! ، فعلى الأقل ليس لها جواز سفر هو الأسوأ في العالم ، ولا مستوى معيشىة أسوأ كحالنا ! ، وقد فكّرت جديا ، ماذا لو فعلنا كما فعل شعب (هندوراس) بعد لدغته حكومته بسبب إصلاحات ووعود لم تتحقق ربما لمرة واحدة وليس لعشرات المرات كحالنا ، فقرر هذا الشعب الهرب من سارقيه وفاسديه ،فشد رحاله وترك بلده وهم بالآلاف في مسيرة ملحمية على الأقدام ولآلاف الكيلومترات ، من حدود بلده إلى غواتيمالا ، ثم عبر الأراضي الشاسعة للمكسيك ، حتى حدود الولايات المتحدة ! ، وطبعا هذه الاخيرة لا يرجوا هذا الشعب منها خيرا لأنها رأس البلاء ، لكن ، ربما سببوا إحراجا للحكومة الأمريكية أمام الرأي العام العالمي ومنظمات حقوق الإنسان بدلالتها الرمزية التي يجب أن تكون مُدوّية وصاخبة بعد أن أصاب العالم الحُر الصمم ، أنا أعلم أن شبابنا الذي غادر الوطن هم بالملايين ، وبشتى الوسائل الإنتحارية للخروج من هذا الجحيم ، لكن وللأسف ، لم يكن لها وقع مسيرة شعب هندوراس ، على الأقل إعلاميا ، بحيث صرنا لا نعرف معايير شد إنتباه هذا العالم الذي يسمونه حُرّا ، ذلك الذي يبدو أنه مولع بالإعلام فقط ، فكلنا يتذكر صورة الطفل السوري الغريق المؤلمة ، والتي لاكها العالم كخبر دسم وإتّخذ منها شعارا ، وهم يعلمون ، أن ما خفي أعظم بكثير .
لكني أعود فأستدرك ، لا توجد دولة مجاورة تستحق وطء مسيرتنا ، هذا إذا لم تعدّ لنا هذه الدول ، الكثير من الفخاخ والمصائد والشراك ، بناءً على توصيات تصدر من الداخل (!!) ، إلى حيث سعة أرض الله ، وبهذا تتحقق نبوءة شاعرنا (مظفر النوّاب) وهو يقول منذ نصف قرن (سنصبح نحن يهود التاريخ ، ونعوي في الصّحراء بلا مأوى) !..