ذكروا أصحاب السيرة والحديث في كتبهم، ككتاب:(كشف الغمة، والكافي، والأرشاد، وبصائر الدرجات، ومنتهى الآمال، وغيرها)،مناقب كثيرة للإمام الباقر عليه السلام ،وسنذكر بعض من مناقبهِ، ومكارم أخلاقه من تلك الكتب.
الأولى:نقل الشيخ عباس القمي عن الجاحظ في كتابه( البيان والتبين)قال: قد جمع محمد بن علي بن الحسين( عليهم السلام)صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين، فقال( عليه السلام):(صلاح جميع المعايش والتعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة، وثلث تغافل).
وقال له نصراني:أنت بقر؟!قال: لا، أنا باقر، قال أنت بن الطبّاخة؟ قال: تلك حرفتها، قال: أنت بن السوداء الزنجيّة البذيّة؟ قال:(إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك).
قال الراوي: فأسلم النصرانيّ.
يقول الشيخ القمي:ولقد اقتدى به سلام الله عليه في هذا الخلق الشريف سلطان العلماء والمحققين، أفضل الحكماء والمتكلمين، ذو الفيض القدّوسي الخواجة نصير الطوسي قدس سره، فقد روي أن ورقة أحضرت إليه من شخص فيها البذيء من القول، ومما جاء فيها: يا كلب ابن كلب!! فلما قرأها أجاب:
أمّا قولك يا كلب فليس بصحيح، لأن الكلب من ذوات الأربع، وهو نابح طويل الأظفار، وأمّا أنا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار،ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص، وهكذا ردّ عليه، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة، وألقى به في غيابة جبّ الذلّ والمهانة.
الثانية: في عطائه( عليه السلام):روى الشيخ المفيد عن الحسن بن كثير أنّه قال: “بئس الأخ أخ يرعاك غنيّاً ويقطعك فقيراً”، ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمئة درهم، وقال: استنفق هذه، فإذا نفدت فأعلمني.
من كلماته ومواعظه عليه السلام، قال:(ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفوا عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم إذا جُهل عليك)، وقال عليه السلام:(إياك والكسل والضجر فأنهّما مفتاح كل شرّ، فإن من كَسِل لم يؤد حقّاً، ومن ضجر لم يصبر على حق).
قال عليه السلام لجابر الجعفي: يا جابر أيكفي أن يحبس المرء نفسه على التشيّع بأن يدّعي محبتنا أهل البيت؟(والله ما شيعتنا إلاّ من أتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلاّ بالتواضع والتخشع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبّر بالوالدين، وتعهّد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير).
أستشهد الإمام سلام الله عليه، يوم الأثنين السابع من ذي الحجة سنة أربع عشرة ومئة، عن عمر سبع وخمسين سنة في المدينة المشرّفة، وذلك أيام هشام بن عبد الملك، بعد أن ملأ سرج دابته بالسمّ، ورحل الإمام قسراً عليها، حتى نفذ السمّ في جميع بدنه، فقضى نحبه، مظلوماً مسموماً شهيدا، فالسلام عليه مني أبداً ما بقيت وبقيا الليل والنهار.