5 نوفمبر، 2024 1:37 م
Search
Close this search box.

ولماذا الحرب؟

يسأل الكثير لماذا الحرب؟ وهل هي مفروضة علينا من اهل السماء، بحيث تكون جزء من حياة البشرية لا انفكاك عنه؟ وإذا كانت من ضمن نظام هذا العالم البائس فما فائدتها؟ وان كانت لها فائدة ترجى، الم تتحقق تلك الفائدة من خلال الالف الحروب التي خاضتها البشرية؟ ولماذا لم يبين لنا أحد العقلاء تلك الفائدة؛ كي نكون من دعاتها ولا نعكر صفوها بأصواتنا المبحوحة؟!.
نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وعلى قدر ادراكنا وليس ادراك تلك العقول العليا التي تدير دفة الحروب!.
أولا: من المستبعد عقلاً وذوقاً أنّ عاقلاً ما يوجِد غرضاً معيناً لأجل تدميره! فمن كان هذا مستواه يستحيل ان يصل الى مرتبة الايجاد، لان مرتبة الايجاد – الواقعية – لا تصح الا لمن كان في اعلى مراتب العقل ان لم نقل بخروجه من عالمه بالكلية.
ثانياً: قد يقول البعض ان الحروب تساهم في التوازن البيئي، فلولا الحروب لزداد عدد البشرية وما استطاعت الأرض ان تلبي احتياجهم؟.
انا لا اعلم ما هو الاحتياج الذي ضاقت عنه الأرض، ونحن نرى الكم الهائل من المخلوقات الأخرى التي تعتاش على هذه الأرض وهي اضعاف عدد البشرية ولم تضق الأرض يوماً بكثرتهم ولم تشكو لاحد كثرة احتياجهم، ثم ما هو عدد البشرية؟ سبعة مليارات! بإمكان قارة واحد ان تضمهم وتتكفل كل احتياجهم. فهذا قول ساقط عن الاعتبار.
ثالثاً: على مر التأريخ العقلائي لم يبلغنا ان أحد العقلاء بيّنَ ان هناك فوائد للحرب ولا تتحقق الا بها، وانما الكل ينتقد ويلعن الحروب وما تسببه، بل حتى دعاة الحرب تراهم من اشد المعارضين للحروب ظاهراً لأنهم في قرارة أنفسهم يعلمون ان الحروب ظاهرة غير منطقية.
كل ما في الامر ان هناك أناس سلكوا الطريق الخاطئ والذي حوى على جزئيات خاطئة.
فاذا نظرنا الى كل الحروب عبر تأريخ الانسان سنجدها اما دفاعية واما هجومية، والدفاعية قد يكون الانسان معذور فيها، لكن الهجومية ليس لها دافع الا الهيمنة سواء الهيمنة الجغرافية او الاقتصادية او السلطوية.
فعندما ينطلق أي موجود من منطلق خاطئ فلا يتوقع انه سيتخذ وسيلة صحيحة او أنه يصل الى غاية مستقيمة، لان كل منطلق وكل مبدأ هو طريق كامل يبدأ بنقطة وينتهي الى نقطة حاملاً في طياته كل مكوناته وملازماته ومخلفاً اثاره والتي تكون من جنسه وليس من جنسٍ اخر. فلا يتوقع من يعصر البرتقال ان يحصل على طعم الليمون او تفوح منه رائحة الليمون، فعندما يكون المبدأ قذراً فستكون الوسيلة قذرة والنتيجة أقذر وان حاول الباسها بأنقى الاثواب.
ان الغاية التي دفعت صناع الحروب الى اثارتها هي الهيمنة التي رأوا فيها الوسيلة الأفضل لفرض هيمنتهم، وهذه الرؤية نشأت من عدة عوامل:
العامل الأول: انهم وجدوها الوسيلة الأقصر لتحقيق غاياتهم.
العامل الثاني: انهم لمسوا بعض النتائج – والتي أستطيع ان اسميها وهمية – من اشعال الحروب.
العامل الثالث: ان الجيل اللاحق سار على سُنة سابقيه بما يعتقده من رجاحة عقولهم وحسن تخطيطهم.
العامل الرابع: بما ان الهيمنة والتوسع صادران من غريزة نفسية فيكون اضطراراً أسلوب تحقيقهما نفسيٌ، وان استُعين بالعقل في ذلك.
العامل الخامس: ان العقل البشري الجمعي مازال في مرحلة الطفولة والذي يجعل من مرتكزاته المرتبية ان يتناول الحلول الأقرب والتي تناسب مستواه الآني. فيحتاج العقل البشري إذا بقي على هذا النظام الى عدة الاف من السنين لأجل ان يغير هذه الركائز الأولية. لهذا يرى صانع الحرب ان نظام الحرب هو السبيل الامثل لتحقيق غايته، فهو يلمس ان الحرب الفلانية حققت له أكثر من عشرين فائدة كلية بل ان بعض الفوائد جاءت عرضية دون ان يحسب حسابها! هو هكذا يرى، لذلك يجد ان سبيل الحرب هو انفع السُبل لتحقيق غاياته…. لكن هناك امر -هو ملتفت اليه وان كان التفاتاً ناقصاً قد يدفعه بحجج إسكاتية –، وهو ان الحروب بقدر ما اعطته من فوائد في نظره فقد فتحت له أبواب سلبية وربما لم يكن يتوقع أهمها واخطرها، وهو يعزو ذلك الى نقص التخطيط او الغفلة او غيرها ثم يحاول ان يعالج ما ظهر من اثار سلبية بنفس طريقة تفكيره الأولى والتي لن توصله الا الى مجموعة مشاكل تطالب بحلولها.
وأيضا ليس هناك من صنّاع الحروب من حققت له الحرب ما يطمح اليه او سدّت كامل احتياجه على الاطلاق.
هذان النقطتان كان ينبغي على عقلاء القوم ان يلتفتوا اليها التفاتاً جدياً وتكون هي بوابة الخروج من هذا المستوى الذي يُحسّن لديهم طريق الحرب.
قد يدافع عن نفسه صانع الحرب ويقول: ((ليس كل الحروب ناتجة عن رغبات نفسية او هيمنة فاسدة، نعم نحن نريد الهيمنة لكن ليس رغبة بالتسلط او التوسع الاقتصادي وما شاكله، انما لأجل إيجاد الحياة الأنسب والطريق الاكمل لسير البشرية، فعندما أجد – والكلام لصانع الحرب – ان العقل المهيمن على دولة معينة هو السبب الأكبر لتخلف تلك الدولة، وتخلف تلك الدولة يضر بالتجمع الإنساني عموما، حينئذٍ يكون من واجبي استبدال تلك القيادة المخالفة والمتدنية رتبة بقيادة موافقة لأهدافي او اعلى رتبة بحيث تدرك غايتي وتؤيدها؟! لذلك انا مضطر للهيمنة على تلك البقعة البشرية ولا سبيل الى الهيمنة غير الحرب)).
نقول له لا بأس، فلو تنزلنا عن مناقشة الصدق في الغاية وعدمه – ولن نتزل -.
نقول وهل انحصرت طرق الهيمنة بالحرب فقط؟! الا يستطيع العقل إذا حاول ان يجد طرقاً أخرى للهيمنة غير الحرب؟ ثم انك رأيت – وقد ذكرنا ذلك – ان الحرب لم تعطك النتيجة الكاملة فماذا يعني لك ذلك؟ اليس معناه ان طريق الحرب هو طريق ناقص؟ الا يعني ان هنالك طريق او طرق هي السبيل المخصص لمثل هكذا أمور؟ ان العلاج الذي لا يعطي نتيجة كاملة من الخطأ ان نسميه علاجاً انما هو شبيه العلاج، فتفطن.
فلنفرض -واعتبرها محض فرضية- لو ان العقل المخطط استأصل من ذهنه فكرة الهيمنة عن طريق الحروب مع بقاء إرادة الهيمنة، هل سيتوصل الى بديل ام لا؟ ان قلت لا، فسنقول لك إنك لم تقتلع الفكرة جذرياً وانما بقيت خيوط منها في عقلك وهي السبب المانع من نزول البديل.
ان الهيمنة الحقيقية ما كانت ولن تكون عن طريق الحرب انما الحرب أسلوب ناقص يولد خطوط من الإشكالات التي تطلب حلولها وهكذا يكون دخولاً في دائرةٍ يصعب الخروج من سطوتها لأنها مولدات كبرى لنقائص وفجوات كثيرة. وشكرا

أحدث المقالات

أحدث المقالات